لن أعيش على قارعة الطريق ابدًا

بقلم عبدالعزيز عطيه العنزي
تركت خلفي خرائط مألوفة، شوارع حفظتها قدماي عن ظهر قلب، وجوهًا نقشت في ذاكرتي تفاصيلها الدقيقة. حملت حقائبي مثقلة بذكريات الماضي، وخفيفة من توقعات المستقبل.
الآن، أقف على أعتاب مكان لم تطأه روحي من قبل. الهواء هنا يحمل رائحة مختلفة، الأصوات لحن غريب، والألوان لوحة لم أرها قط. كل زاوية تحكي قصة لم أسمعها، وكل وجه يحمل سؤالًا لم يخطر ببالي.
في البداية، شعور بالوحدة يلفني كوشاح بارد. أبحث بعيني عن شيء مألوف، عن ظل صديق، عن نبرة صوت أعرفها. لكن كل ما حولي جديد، غريب، يدعوني لاستكشافه، وفي الوقت نفسه يذكرني بغربتي.
لكن مع كل شروق شمس، تبدأ براعم فضولي بالتفتح. أتعلم الكلمات الجديدة، أتذوق الأطعمة الغريبة، أراقب عادات الناس. شيئًا فشيئًا، تبدأ الخيوط الرفيعة للارتباط بالنسيج الجديد تتشكل. ابتسامة عابرة من بائع متجول، إشارة ود من جار فضولي، قصة ترويها عجوز تجلس على عتبة دارها.
أدرك أن الغربة ليست فراغًا، بل هي أرض خصبة لنمو الذات. هنا، حيث لا يوجد ما يسندني إلا إرادتي، أكتشف جوانب جديدة في شخصيتي لم أكن أعرفها. أتعلم الاعتماد على نفسي، وأتقن فن التكيف، وأعيد تعريف معنى الوطن.
قد لا يصبح هذا المكان يومًا موطني بالكامل، لكنه سيظل علامة فارقة في رحلتي. ذكرى لمغامرة جريئة، ودرسًا في قوة الروح الإنسانية التي تزهر حتى في أكثر الأراضي غرابة. الهجرة ليست نهاية، بل هي بداية لقصة جديدة، تكتب فصولها على صفحات لم تُقرأ من قبل.