مارثون الأمل لذوي الإعاقة البصرية

 

نتخيل مساراً يمتد بين الظلام والنور، وخطوات تتجاوز حدود الرؤية لتصل إلى آفاق جديدة من الإرادة والأمل.

هذا الماراثون ليس مجرد سباق عادي، إنه حلم يسعى وراءه ذوي الإعاقة البصرية كأمنيةٍ تحلق في سماء التحدي.

أمنيةٌ لا تشبه أي أمنية، حيث نجد فيها قدرتنا على تحدي المألوف وصناعة مسارنا الخاص، رغم كل ما نثبته لأنفسنا وللعالم أن غياب البصر لا يعني غياب البصيرة، وأن الرغبة في الوصول ليست بحاجة إلى عيون ترى الطريق، بل إلى قلب يرى الهدف.

‏وقد أتاحت لنا جمعية رؤية للمكفوفين الفرصة في تحقيق ما تصبو إليه طموحاتنا لإقامة المارثون، الرياضي وتم تنظيمه من قِبل عدة جهات.

لم تكن الظروف مهيأة تمامًا للمشاركة؛ فقد جاء موعد السباق متزامنًا مع أوقات محاضراتي في الماستر، مما جعلني في حيرة من امري بين واجبي الأكاديمي وشغفي الرياضي.

شعرت بأن هذه الفرصة قد لا تتكرر، ولكن عائلتي كانت الحافز الأول لي. بقلوب ملؤها التشجيع والإصرار، أكدوا لي أن تحقيق هذا الحلم لا يتعارض مع التزاماتي الأخرى.

وبعد دعم عائلتي، كان لابد لي من التواصل مع أستاذة المقرر وتوضيح رغبتي في المشاركة.

في البداية، شعرت بالقلق من ردها؛ فقد توقعت أن تحثني على الالتزام بالمحاضرات، لكن الرد جاءني كما لم أتوقع تمامًا.

استقبلت الأستاذة رغبتي بروح مليئة بالتفاهم والإيجابية، وشجعتني بكلماتها على أن أخوض هذا التحدي، مؤكدة لي بأن الفرص الفريدة تستحق التجربة.

بهذا الدعم المشترك من العائلة والجامعة شعرت بطاقة إيجابية تدفعني لخوض السباق، وأنا أحمل في قلبي رسالة أمل أن المحيطين بنا بإمكانهم أن يكونوا قوة تفتح لنا آفاقًا

جديدة.

وأنا في طريقي إلى المسابقة:

“بينما تسير العجلات نحو هدفٍ يبدو قريباً بعيداً، كنت أشعر أنني أندفع نحو طموحي

من الأحاسيس المشتعلة، لا تعرف اليقين ولا ترضى بالتخمين. كنت أنا وأفكاري نرسم طريقاً في الهواء،

التوتر نعم، لكنه لم يكن خوفاً، بل برقاً للحماس يضيء كل زاوية من كياني. كنت أشعر وكأنني أطوي المسافات بقوة حلمي، وكأنني أقتحم لحظةً ليست كأي لحظة، مغمورة برغبة عنيدة تطرد أي تردد. كنت أعبر نحو فضاء جديد، أسمع فيه همسات الأمل وهمسات القلق، أحمل معي طموحي كدرعٍ وسيف، وأستعد لأعانق العالم على طريقتي الخاصة،

“لحظة إنطلاقنا في السباق كانت أشبه بفتح بوابة لعالم مختلف، عالم خالٍ من الثقل والتردد، كأنني خُلقت مجدداً لأطير، لا لأركض. لم تكن أقدامي تلامس الأرض بل تلامس الحلم ذاته، وكأنني أخوض مغامرة تنبض بالحياة، تنفجر منها كل ذرة شغف وطموح كنت أختزنها في أعماقي.

في تلك اللحظة، شعرتُ كأن روحي سبقت جسدي، وكأنني أركض بألف رغبة وألف أمل. الطريق أمامي لم يكن مجرد مسار؛ بل كان شريطاً من الحرية المطلقة، يفتح ذراعيه لي ويسمح لي بأن أتحرر من كل شيء. كان الهواء يندفع حولي كأننا في سباقٍ معاً، يعانق وجهي، ينعشني، يحثني على المضي قدماً وكأننا نتشارك ذات الحلم.

وكل خطوة كانت أقوى من سابقتها، كأنني أستخرج طاقتي من أعماقٍ لم أعلم بوجودها. لم أكن أنا فقط من يتحرك، بل كان قلبي، وأحلامي، ورغبتي في الوصول إلى ما وراء النهاية، نحو شيء أكبر من مجرد فوز؛ نحو إثباتٍ لا ينتهي بأنني قادر، أنني هنا لاترك أثراً في هذا العالم الذي ينبض بآمالنا.”

وفي نهاية هذا السباق، أدركت أن الرحلة كانت أكثر من مجرد خطوات ، كانت درسًا في الصبر، واحتفالاً بالشجاعة التي تسكننا جميعًا. لم يكن الوصول إلى خط النهاية مجرد انتصارٍ شخصي، بل كان تأكيدًا على أن قوة الإرادة والإصرار يمكنها أن تتحدى أي عائق.

هذه التجربة ليست لي وحدي؛ بل هي دعوة مفتوحة لكل من يملك حلماً، دعوة للانطلاق والمغامرة، للركض خلف أهدافه بلا خوف. فالمسارات لا تنتهي عند خط النهاية، بل تمتد في حياتنا، وتتجدد مع كل سباق جديد.

فلتكن هذه الخطوات إلهامًا لكل من يحمل طموحاً، ولكل من يتطلع إلى الوصول، وألا يتوقف عند الحدود، بل يتجاوزها ليصنع معجزاته الخاصة. فالعبرة ليست فقط في الفوز، بل في الشجاعة والإصرار الذي نضعه في كل خطوة.

دعوة لتوسيع الآفاق الرياضية وتحقيق الأحلام

لقد كان ماراثون الأمل لذوي الإعاقة البصرية خطوة عظيمة في طريق تحقيق طموحاتنا وإبراز قدراتنا، لكن أحلامنا لا تقف عند هذا الحد. نحن نتطلع إلى إتاحة المزيد من الرياضات والفرص التي تمنحنا مساحة أكبر للتجربة والإنجاز، لنثبت لأنفسنا وللعالم أن الطموح لا يعرف حدودًا.

ويزيدنا شرفًا وفخرًا أن يشاركنا في هذه الإنجازات صاحب السمو الملكي أمير منطقة المدينة المنورة، لتكون مشاركته مصدر إلهام لنا ودافعًا لتقديم المزيد.

بفضل دعمكم وجهودكم، نستطيع أن نحلم بمستقبل مليء بالإنجازات الرياضية التي تعكس إرادة قوية، وطموحًا لا ينضب.

شكر وامتنان للقائمين على ماراثون الأمل

أود أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لكل من ساهم في تنظيم ماراثون الأمل لذوي الإعاقة البصرية، هذه المبادرة الرائدة التي أتاحت لنا الفرصة لنعيش تجربة ملهمة تتجاوز التحديات وتُجدد فينا الأمل والطموح.

إلى جمعية رؤية للمكفوفين وجميع الجهات المشاركة، شكراً لجهودكم المخلصة وحرصكم على توفير بيئة مميزة وآمنة تُمكننا من إثبات قدراتنا. لقد صنعتم من هذا الماراثون مساحة للإبداع والتحدي، وقدمتم لنا رسالة واضحة بأن الإعاقة ليست حاجزًا أمام الأحلام.

كما لا أنسى أن أشكر عائلتي التي دعمتني بكل حب وتشجيع، وأستاذتي التي أظهرت تفهمًا كبيرًا، مما كان له الأثر العميق في تحفيزي للمشاركة في هذه التجربة الفريدة.

لقد كان هذا الماراثون أكثر من مجرد سباق، كان درسًا في الإرادة ورسالة للعالم بأن الأمل هو القوة الحقيقية التي تدفعنا نحو الإنجاز.

شكرًا لكم جميعًا، فمن خلال جهودكم فتحتم لنا أبوابًا جديدة لنواصل الركض نحو أحلامنا دون تردد.

بقلم الزهراء عيد ابو عيفه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى