مبادرة تطوعية تغرس 200 شتلة بمشاركة 200 متطوع في قلب عروس المصايف

د. وسيلة الحلبي ود. احمد الثقفي – الطائف

في صباحٍ يعبق بالعطاء، وعلى تراب محافظة الطائف الذي طالما عرف بالخُضرة والجمال، انطلقت مبادرة تطوعية نوعية تمثّل حراكًا مجتمعيًا بيئيًا راقيًا، اجتمع فيها أكثر من 200 متطوع ومتطوعة من مختلف فئات المجتمع المحلي، في فعالية هدفت إلى غرس 200 شتلة في محيط تيرا مول وعدد من الشوارع والمسطحات القريبة، في مشهد عكس وعيًا بيئيًا ناضجًا، وروحًا جماعية تزدهر بها هذه المدينة العريقة.

لم تكن الفعالية مجرد نشاط زراعي، بل كانت ممارسة حقيقية لقيمة المواطنة البيئية، جسّدها المشاركون في كل خطوة، من إعداد التربة، وتوزيع الشتلات، إلى العناية بمواقع الغرس، والحرص على اختيار الأنواع النباتية المناسبة لبيئة الطائف المناخية.
وقد شاركت في الفعالية أسرٌ بأكملها، وأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب شباب وفتيات في مقتبل أعمارهم، حملوا جميعًا شعارًا مشتركًا: “نغرس اليوم… لنحصد غدًا بيئةً أجمل”.

جاء اختيار الشتلات متوافقًا مع طبيعة الطائف، وشمل أنواعًا تتحمل الظروف المناخية وتسهم في تعزيز الغطاء النباتي وتقليل آثار التصحر، منها:
• شجرة السدر: شجرة عربية أصيلة، ذات ظل كثيف وفوائد بيئية وطبية.
• اللبخ: شجرة ظل قوية، ذات أوراق عريضة وجمالية عالية.
• الطلح: مقاومة للجفاف، وجزء من الغطاء النباتي الصحراوي التقليدي.
• الفيكس: خيار مثالي للتجميل الحضري وتنقية الهواء.

الجهات المشاركة… شراكة مجتمعية ملهمة

وقد شهدت الفعالية حضورًا وتفاعلًا مميزًا من عدة جهات محلية لعبت دورًا جوهريًا في تنظيم ودعم هذه المبادرة، وهي:
• إدارة تيرا مول: قدمت الموقع، وساهمت في التجهيزات اللوجستية، وسهّلت التنظيم العام للفعالية.
• جمعية سقيا الطائف: شاركت في توزيع مياه الشرب، والتوعية بأهمية ترشيد استخدامها عند الري.
• جمعية إثمر: أسهمت من خلال متطوعيها في تنسيق مواقع الغرس، وتقديم التوجيه الزراعي المناسب.
• مشتل الساحل الزراعي: وفّر الشتلات، والإرشاد الفني، ودعم الفريق بالخبرة والتوجيه طوال الحدث.
• جمعية ساعد للبحث والإنقاذ – فرع الطائف: ساهمت في التنظيم الميداني، وتقديم الدعم اللوجستي للمتطوعين.
• نادي وج الرياضي: كان له حضور لافت من أعضائه ولاعبيه، دعمًا لرسالة المبادرة البيئية والاجتماعية.

وثّقت العدسات لحظات نابضة بالمشاعر:
• طفل يزرع شتلة ويكتب اسمه عليها، واعدًا بالعودة ليرى كيف كبرت.
• مجموعة شابات يتبادلن الأدوات ويغنين للوطن والبيئة.
• أحد كبار السن يروي حكايات الطائف الخضراء قديمًا، مشيرًا إلى أهمية استعادة البساتين التي عُرفت بها المدينة.

تميّزت المبادرة بالتنظيم الرفيع، حيث تم تحديد مواقع الغرس مسبقًا وفق دراسات بيئية بسيطة أجراها متطوعو جمعية “إثمر” بالتعاون مع مهندسين من “مشتل الساحل”، وشملت مراعاة توزّع الظلال المستقبلية، وانسياب المياه، وأماكن مرور المشاة. كما تم توجيه المشاركين بكيفية الغرس الصحيح، وربط الشجيرات بدعامات واقية، وتثبيت لوحات صغيرة كُتب عليها نوع الشجرة وتاريخ الغرس.

قال أحد المشاركين من فئة الصم والبكم، عبر مترجم الإشارة: “أشعر أنني أشارك في بناء المستقبل… شجرتي ستنمو، وستتحدث للعابرين عنّي دون صوت.”
في حين ذكرت إحدى الأمهات: “أحضرت أطفالي لأغرس فيهم حب البيئة، قبل أن نغرس الشتلات في الأرض.”

وأكد المنظمون أن هذا العمل التطوعي ما هو إلا حلقة من سلسلة فعاليات قادمة تهدف إلى نشر ثقافة التشجير والتوعية البيئية في أنحاء محافظة الطائف، وستشمل مستقبلاً الحدائق العامة، ومحيط المدارس، ومراكز الشباب.

في ختام الفعالية، جرى توزيع شهادات شكر وتقدير للمشاركين، والتُقطت صور جماعية وسط مشهد طبيعي جميل اكتسى بظلال الأشجار الصغيرة وابتسامات العطاء.
أُطفئت محركات المعدات، لكن بقيت جذور الشتلات مزروعة في الأرض… وفي القلوب.

الطائف لا تكتفي بجمالها… بل تُجدد خُضرتها بأيادي أهلها، وتكتب حكاية بيئةٍ تنمو بالأمل والمسؤولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى