مستقبل الصمت في عالم صاخب

 

بقلم : شوق العامري

في زمن تتسارع فيه الأصوات من كل اتجاه، لم يعد الصمت مجرد حالة طبيعية، بل صار أشبه بالكنز المخفي. أصوات المركبات، إشعارات الهواتف، ضجيج المدن، وحتى الحوار المستمر داخل أذهاننا… جميعها تحاصر الإنسان من لحظة استيقاظه وحتى نومه. في هذا العالم المزدحم بالصوت، يصبح الصمت رفاهية نادرة.

قد يأتي يوم يكون فيه الصمت سلعة تُباع وتُشترى، تمامًا كما نشتري المياه النقية في عصر التلوث. وربما تنشأ “غرف صمت” معزولة بتقنيات عزل صوتي متطورة، تؤجر بالدقيقة، يلجأ إليها المتعبون من صخب الحياة لاستعادة توازنهم النفسي. وربما تتنافس المدن في المستقبل على توفير “مناطق صامتة” تروّج لها كوجهات سياحية، حيث يستطيع الزائر أن يسمع دقات قلبه بوضوح بعيدًا عن الضوضاء.

لكن السؤال الأعمق: لماذا نحتاج الصمت؟

الصمت ليس فراغًا، بل هو مساحة تسمح لأفكارنا أن تتشكل بوضوح. في الصمت نسمع أنفسنا حقًا، نلتقط إشارات الإلهام، ونستعيد القدرة على التفكير العميق. الحضارات القديمة ربطت الصمت بالحكمة، أما اليوم فنكاد نهرب منه وكأنه غياب للوجود.

إذا استمر الصخب في التوسع بلا حدود، سيصبح الصمت ليس مجرد حاجة إنسانية، بل حقًا أساسيًا يُطالب به الأفراد مثل الحق في الهواء النقي. وربما يولد جيل يعتبر الصمت أعظم ترف يمكن أن يحصل عليه.

إن مستقبل الصمت في عالم صاخب ليس غيابًا للصوت فقط، بل هو عودة الإنسان إلى نفسه، إلى الداخل، حيث الهدوء لا يُشترى بالدقيقة، بل يُصنع بالوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com