معلمتي الأولى: شعلة أضاءت دروبي وكانت هي نقطة التغير في حياتي

عبدالعزيز عطيه العنزي
لكل منا في حياته بصمة لا تُمحى، نقطة تحول شكلت مساره وأيقظت كامنه. وبالنسبة لي وحدي، كانت تلك البصمة هي معلمتي الأولى. لم تكن مجرد مُلقنة للحروف والأرقام، بل كانت فنانة حقيقية، ترسم في عقلي الصغير دروبًا من نور، وتغرس في قلبي بذور الشغف، الطموح، وحب الكلمة.
أتذكر جيدًا تلك الأيام الأولى في رحاب علمها، حيث كانت فصولها أشبه بحديقة غنّاء، تزهر فيها الأفكار وتتراقص فيها الحروف. لم يكن تلقينًا جافًا للمعلومات، بل كانت حكايات تُروى، وأسئلة تُطرح، وأبوابًا تُفتح على عوالم لم أكن لأدرك وجودها. بأسلوبها الفريد، استطاعت أن تحول أصعب المفاهيم إلى رحلة ممتعة، تغذي فضولي وتوقي للمعرفة.
كانت معلمتي تؤمن بأن لي وحدي موهبة كامنة، وأن دورها هو اكتشافها وصقلها. لم تفرض عليّ مسارًا واحدًا، بل شجعتني على التجريب، على السؤال، وعلى البحث عن إجاباتي الخاصة. هذا النهج التربوي العميق هو ما أيقظ في داخلي شغفًا عارمًا بالتعلم، ورغبة جامحة في استكشاف كل ما هو جديد ومثير. علمتني أن الشغف ليس مجرد كلمة، بل هو وقود الروح الذي يدفعني لتجاوز المستحيل.
أما الطموح، فكانت تزرعه فيّ كزهرة تحتاج إلى رعاية دائمة. كانت تحكي لي قصص الناجحين، وتُريني كيف أن الأحلام الكبيرة تبدأ بخطوة صغيرة وإصرار لا يتزعزع. لم تكن تسمح لي بالرضا بالقليل، بل كانت تدفعني دائمًا للتفكير فيما هو أبعد، للسعي نحو الأفضل، ولتحديد أهداف تتجاوز حدود الواقع الذي أعيشه. بفضلها، أدركت أن الطموح ليس رفاهية، بل ضرورة لنمو الروح وتحقيق الذات.
ولعل الأثر الأعمق الذي تركته في نفسي كان حب الكتابة. لم تجعل منها واجبًا مدرسيًا مملًا، بل حولتها إلى فن. كانت تشجعني على التعبير عن أفكاري ومشاعري بحرية، علمتني كيف أصوغ الكلمات لتصبح لوحات فنية، وكيف أحول الأفكار المجردة إلى نصوص تنبض بالحياة. كانت تشيد بأصغر محاولة، وتصقل أكبر خطأ، حتى باتت الكتابة متنفسًا لي، ووسيلة لأعبر بها عن عالمي الداخلي وأشاركه مع الآخرين.
إنها معلمتي الأولى، التي لم تكن مجرد اسم يمر في سجلات الحياة ، بل كانت نورًا أضاء دروبي، وصوتًا يهمس لي بأن أكون دائمًا شغوفًا، طموحًا، ومبدعًا في كل كلمة أخطها. لكل معلم أثر، ولكن أثرها في روحي ووجداني سيبقى خالدًا، دليلًا على أن العطاء الحقيقي هو ما يصنع الفارق ويشعل الشغف في قلوب البشر.