ملامح الغد في تنبؤات عبدالعزيز”
في صمت الحروف، يولد الغد. هذه شظايا من مرايا المستقبل، تنبؤات لا تُفسَّر، بل تُعاش. أيها القارئ، ما ستقرأه ليس نصًا، بل طريقٌ يأخذك إلى ما لم يُخلق بعد

بقلم:عبدالعزيز عطيه العنزي
أيها السائرُ في دهاليز الحرف،
أتعرفُ أن الأبجدية ليست سوى أقنعةٍ لغيابٍ أبدي؟
كلُّ كلمةٍ تُقال،
هي ظلّ كلمةٍ لم تُخلق بعد.
الكاهنُ الذي يخطُّ على الرمل،
يعرف أن الحروفَ أوهام،
وأن الطلاسم ليست إلا مرايا
تُريك ما لم يكن،
وتُخفي ما كان.
في صمتِ الحبر،
تترددُ خطى المعنى،
كأنها صلاةٌ ضائعة،
لا تصل إلى المذبح ولا تعود.
أيها التائهُ في مرايا الغياب،
إياك أن تظن أن الحروفَ تنقذك،
فهي قواربٌ من دخان،
تغرق قبل أن تلمس الماء.
الأبجديةُ وعودٌ مكسورة،
كلُّ سطرٍ منها طريقٌ لا يؤدي إلى مكان.
من أراد الحقيقة،
فلينصت إلى الصمت،
فالصمتُ لغةٌ لا تحتاج إلى تفسير،
ولا تقبل التأويل.
والكاهنُ العجوز،
الذي يكتب بالنار على جدار الليل،
لم يترك وصاياه إلا لمن يقرأ بعينٍ مغمضة،
ويفهم بالقلب ما عجز العقل عن حمله.
سيأتي يومٌ،
حين تنطفئ الأبجدية،
وتذوب الحروفُ في فمِ الريح،
فلا يبقى إلا الصدى،
يعيد أسماءً لم تُولد،
ويشيّع معاني لم تُكتشف.
حينها،
سيجلس القارئ الأخير
على أطلال الورق،
يسمع أصواتًا لا يعرف إن كانت بشارةً
أم رثاء.
وتنفتح السماءُ على بياضٍ أعمى،
لا شمس فيه ولا قمر،
إنما كتابةٌ من نورٍ غامض
تتشكّل ثم تختفي.
تلك هي العلامة،
حين يدرك السائرُ في دهاليز الحرف
أن النصّ لم يكن يومًا كلمات،
بل طريقًا يلتهم من يمشيه،
ويُبقيه معلقًا
بين الغياب والوجود.
أيها القارئُ الغريب،
إذا لم تفهم النصّ، فقد لمستَ جوهره،
وإن فهمتَه، فقد ضيّعتَه.
فامضِ كما أتيت،
بلا يقينٍ ولا إجابة،
واترك على الورق خطوتك الأخيرة،
كي يعرف العابرون بعدك
أن الحروفَ لم تكن إلا بابًا
إلى مجهولٍ أوسع من المعنى.
فالنصّ، يا رفيق الغياب،
لا يطلب أن يُقرأ…
بل أن يُسَلَّم إليه.