من المدينة إلى الضوء: حكاية كتبتها الإرادة في ميادين ألعاب القوى

بقلم الزهراء عيد أبو عيفه
المدينة المنورة

في عام 2025، عام الفرص المتجددة وتمكين المرأة في شتّى الميادين، خاضت المرأة السعودية تجربة فريدة من نوعها، تجربةً لم تكن مجرد مشاركة رياضية، بل إثباتًا لقدرة الإرادة على اقتحام ميادين التحدي والعطاء.
كان دخول المرأة إلى هذا الميدان الرياضي، وخصوصًا في مجال ذوي الإعاقة، خطوة مفعمة بالفخر والأمل، خطوة تؤكد أن الطموح لا تحدّه الإعاقات، وأن الإنجاز يولد من رحم التحديات.

ومن المدينة المنوّرة بدأت الحكاية…
في عصر يوم الأربعاء انطلقت الرحلة من المدينة إلى الرياض، ومن ثم إلى الطائف. لم تكن مجرد رحلة سفر، بل عبورًا نحو ضوءٍ جديد، حيث تبدأ القصص التي تُكتب بالحلم والإصرار، لا بالحبر والكلمات.

كانت مشاعري مزيجًا من الفرح والحماس، فهي أول تجربة رياضية رسمية أخوضها في حياتي. كنت أعيش بين خوفٍ جميل يدفعني للتأمل، وإصرارٍ صادق يهمس لي: «انطلقي، أنتِ خُلقتِ لتتحدي.»

وفي صباح يوم الخميس، توجّهنا إلى الاستاد الرياضي بمدينة الطائف لإتمام التصنيف الرسمي. بعد انتهاء التصنيف، أدركت أنني أخوض المنافسة ضمن فئة الإعاقة البصرية، وهو شعور أضاف لمسة خاصة من الفخر والمسؤولية. كان الحماس يتصاعد في داخلي استعدادًا لخوض المنافسة الأولى في العصر.

وفي عصر الخميس، بدأت أولى منافسات البطولة في سباق 100 متر. التوتر كان يسبق خطواتي، لكن يقيني بالله ثم بنفسي كان بوصلتي نحو الثبات. انطلقت بكل قوتي، ومع ختام السباق، جاء النداء الذي غيّر ملامح اليوم بأكمله:

“المركز الأول…”

كانت لحظة لا تُقاس بالزمن، لحظة أثبتت أن المستحيل مجرد فكرة، وأن من آمن بنفسه صعد المنصة ولو بعد عناء. وفي لحظة التتويج، قام المسؤول بوضع الميدالية حول عنقي بابتسامة داعمة وكلمات مشجعة، فشعرت حينها بالفخر والاعتزاز وكأن الضوء يتسرب إلى داخلي من كل جانب.

وفي عصر الجمعة، حان موعد سباق 200 متر. عاد القلق، وتسللت فكرة الانسحاب، لولا صوتٌ من حولي قال بثقةٍ ناعمة:

“لا تنسحبي، أنتِ قوية… وأنتِ قادرة.”

كانت تلك الكلمات كضوءٍ يبدّد العتمة، فأيقظت في داخلي العزيمة من جديد. انطلقت بقوة، وعندما دوّى الإعلان باسم المركز الأول مرة أخرى، شعرت أني لم أركض وحدي؛ بل كانت تركض معي كل التجارب، وكل اللحظات التي قررت فيها ألا أستسلم. وفي لحظة التتويج الثانية، كانت المسؤولة تضع الميدالية حول عنقي بابتسامة مليئة بالدعم والتشجيع، لتكتمل فرحة الفوز وتجربة الإنجاز.

حين رفعت الهاتف لأخبر والديّ بالنتيجة، لم أجد كلماتٍ تكفي. امتزجت دموع الفرح بالدعاء، وكانت الأصوات في البيت تملؤه تهنئة وسعادة.
لم تكن فرحة الأهل وحدهم، بل عمّت أقاربي وأصدقائي، وكل من عرفني من زميلات الجامعة، بل وحتى الدكاترة والدكتورات الذين غمروني بعبارات التهاني والفخر.
كانت رسائلهم وكلماتهم تتقاطر عليّ كالمطر: “فخورون بك”، “أنتِ مثال للإرادة”، “فخرٌ لنا وللوطن.”
لحظات غمرتني بالسرور حتى شعرت أن كل من حولي يحتفل بي كما لو أن الفوز كان فوزهم هم أيضًا.

ولا يمكن أن تُذكر هذه الرحلة دون الامتنان لـ نادي المدينة المنوّرة لذوي الإعاقة، الذي كان بعد الله ثم بعد أسرتي الركيزة الأولى في هذه المسيرة.
ذلك النادي لم يقدّم لنا تدريبًا فحسب، بل غرس فينا الحماس، وزرع فينا قوة الإصرار، وروح التحدي، والثقة بأن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بدايته نحو التميز.

وفي ختام هذه التجربة المليئة بالعزم والفرح، لا يسعني إلا أن أرفع شكري لكل من دعمني، ولكل من قال لي كلمة طيبة أو أرسل لي تهنئة.
أشكر كل من منحني الأمل، وكل من شجعني، وكل من آمن بقدرتي قبل أن أؤمن بنفسي.

لقد علّمتني هذه التجربة أن البطولة لا تختزل في ميدالية تُعلّق على الصدر، بل في قصة تُروى عن إرادةٍ كسرت الخوف، وعزيمةٍ تجاوزت الصمت، وطموحٍ لم يعرف الحدود.

💫 رسالة إلى كل من يحمل حلمًا

إلى كل من يشعر أن الطريق صعب، تذكّر أن أول خطوة نحو النجاح هي أن تؤمن بقدرتك على السير، حتى لو لم ترَ نهاية الطريق بعد.
لا تدعوا الخوف يوقفكم، ولا تسمحوا للشك أن يسرق منكم الضوء.
فالحياة ليست سباقًا ضد الآخرين، بل سباقًا مع نفسك لتثبت أنك أقوى، وأنك تستحق الوصول.

الإعاقة ليست عجزًا، بل طاقة ترى بنور البصيرة ما لا تراه العيون.

 ختامًا بالشكر والامتنان

وفي ختام رحلتي، أرفع أسمى آيات الشكر والعرفان إلى قيادتنا الرشيدة، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – حفظهما الله –
على جهودهما المباركة ورعايتهما الكريمة لذوي الإعاقة، وعلى ما يقدمانه من دعم وتمكين فتحا بهما آفاق الأمل والإنجاز أمام الجميع.

كما أتقدّم بخالص الامتنان إلى وزارة الرياضة والاتحاد السعودي لذوي الإعاقة على جهودهم المستمرة في احتضان المواهب، وتشجيع الطاقات، وصناعة بيئة رياضية تُلهم وتنهض بالعزائم.

ومن المدينة بدأت الحكاية… وإلى الضوء تستمر المسيرة، حيث يكتب الإصرار والفخر كل لحظة نجاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com