وأخيرًا… صفر الحكم.
بقلم بشائرالحمراني
كنت أعيش في دوامة لا تنتهي، أتحرك بين جدران علاقة آيلة للسقوط، أقنع نفسي بأنني أتمسك بها بدافع الود والاحترام. لم يكن في الأمر حب حقيقي، بل خوفٌ مقنع، خوف من الفراغ، من الوحدة، من مواجهة الحقيقة العارية. كنت ألوِّن الأيام بألوان خادعة، وأُمسك بالخيوط المهترئة وكأنها حبال نجاة، متجاهلًا كل ما كان ينزف في داخلي.
لكن الأعماق لا تكذب، كانت تصرخ بي، تُحذرني من أنني أضيع في بحر من الزيف. في كل مرة كنت أتنازل، كنت أخسر جزءًا من نفسي، أقتل حلمًا، أطفئ نورًا. كنت أرى الأقنعة تسقط واحدة تلو الأخرى، ومع ذلك، كنت أغض الطرف، مُصرًّا على الاستمرار، وكأنني مدينٌ لهذه العلاقة بأكثر مما تستحق.
ثم جاء اليوم الذي لا مفر منه، يوم الصافرة التي أنهت كل شيء. كان الصوت مدويًا، كأنما أتى من أعمق نقطة في روحي، ليوقظني من غفوة طويلة. لم يكن الأمر سهلاً، كان أشبه بتمزيق الجرح ليتنفس بعد اختناق طويل. رأيت الحقيقة بلا رتوش، بلا أعذار: ما بيننا كان مجرد سراب، وأي محاولة لإنعاشه كانت تزيد من نزيفي.
شعرت في البداية بالخسارة، وكأنني فقدت شيئًا كان يربطني بالحياة، لكن مع مرور الوقت، أدركت أنني لم أفقد سوى وهمٍ كان يُثقِلني. كنت أحمل على عاتقي عبء العلاقة السامة، أظلم نفسي بلا مبرر. وحينما تحررت، شعرت لأول مرة بخفة الوجود، بسلام داخلي لم أعهده من قبل.
اليوم، وأنا أقف بعيدًا عن ذلك الماضي، أدركت كم كنت قويًا لأنني اخترت أن أنجو، أن أواجه الألم بدلًا من أن أظل محاصرًا فيه. تعلمت أن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على التخلي، على أن تقول لا لما يجرحك، وأن تختار نفسك دون تردد. لم أعد بحاجة للأقنعة أو للتنازلات التي تقتلني ببطء. أصبحت أرى نفسي بوضوح، أقدّرها بما تستحق، وأعلم أنني قادر على بناء حياة جديدة، حياة تليق بي، خالية من الزيف، مليئة بالصدق والحب الحقيقي.
الحب الذي يشبهني تمامًا ويشبعني من رحيق الحياة، يعكس جوهري ويعزز وجودي لذاتي، ويؤكد أنني أخيرًا قد وجدت الطريق الذي يليق بي.