الصداقة والتقدير التوازن بين الظاهر والخفي

بقلم / الدكتور محمد بن أحمد ابن غنيم المرواني

الصداقة تُعد من أعظم القيم الإنسانية، ورغم ذلك، فإن العثور على الصديق الصدوق الذي يمثل “العملة النادرة” في هذا الزمن يُعد تحديًا كبيرًا.
إن الصداقات تُبنى وتتطور بناءً على عوامل متعددة مثل الزمان و المكان. الأشخاص، والتجارب. غير أن الفارق الحقيقي يظهر عند مقارنة الظاهر مع الخفي، حيث يتجلى التقدير الحقيقي للأصدقاء.

مفهوم الصداقة ومعاييرها

تتفاوت معايير الصداقة بشكل كبير من شخص لآخر. البعض يرى الصداقة في مشاركة اللحظات الجيدة والسيئة، والبعض الآخر يجدها في الثقة المتبادلة والقدرة على التحدث بحرية عن مختلف أمور الحياة و قد تتوطد الصداقات بفضل التقارب الفكري أو التفاهم أو حتى الاهتمامات المشتركة. لكن السؤال الأهم: هل كل من يبدو لنا كأقرب صديق، هو كذلك في التقدير الحقيقي؟

الظاهر والخفي في الصداقة

في كثير من الأحيان، يظهر شخص ما كأقرب أصدقائنا بناءً على تواصله المستمر معنا ومشاركته لنا في مختلف الأنشطة والمواقف. إلا أن هذا الظهور الخارجي قد يخفي وراءه حقائق أخرى لا تتضح إلا في المواقف البسيطة التي تتطلب النزاهة والصدق.
هذه المواقف تُبرز القيم الحقيقية والمشاعر الداخلية للأصدقاء، وتصقل وتكون التقدير الداخلي الذي نحمله لهم.

التقدير الحقيقي والمواقف البسيطة

غالبًا ما نُقيّم أصدقاءنا لا شعوريا بناءً على مواقف بسيطة قد تبدو غير مهمة، لكنها تحمل دلالات عميقة على نواياهم الحقيقية. على سبيل المثال، قد يكون صديقٌ لنا في الظاهر هو الأقرب، لكن تصرفاته في مواقف معينة تكشف عن غيرته أو حسده أو عدم رغبته في تكافؤ العلاقة لاسباب اجتماعية او غيرها دون ضغينة منه .
لكن على الجانب الآخر، قد يكون هناك صديق آخر لا نتواصل معه بكثرة، لكن تصرفاته النزيهة والصادقة تُظهر تقديره الحقيقي لنا، مما يجعله في مرتبة عالية في قلوبنا عند تقيمنا لتقدير الآخرين.

العلاقة بين التقدير والصداقة

التقدير الحقيقي ينبع من الصدق والنزاهة في التعامل مع الآخر، دون انتظار مقابل أو امتيازات. بينما الصداقة في ظاهرها قد تُبنى على التفاعل والتواصل المستمر، فإن التقدير الحقيقي يتجلى في المواقف التي تُظهر صفاء القلب ونقاء المشاعر. للشخص الذي يتصرف بتلقائية ونزاهة في مواقف بسيطة و عفوية ، لذلك قد يكون في الواقع هو الأحق بالتقدير، حتى وإن لم يكن الصديق الظاهر بانه الأكثر قرباً.

في الختام، يمكن الحفاظ على علاقاتنا مع أصدقائنا بمختلف درجاتهم وظواهرهم، ولكن من الضروري أن نُقيّم تلك العلاقات بناءً على المواقف التي تكشف القيم الحقيقية والمشاعر النقية. و ليس الافعال الظاهرية ، و التقدير الحقيقي على ما ينبع من خلال الأفعال الصغيرة التي تعكس النزاهة والصدق. لذا، يجب علينا أن نُدرك أن الصديق الحقيقي هو من تصفوا نفسه لنا ويظهر ذلك النقاء و الصفاء في تصرفاته اليومية، حتى وإن لم يكن الأقرب في الظاهر.
هذا التمييز بين الصداقة الظاهرة والتقدير الخفي هو ما يجعل العلاقات الإنسانية أعمق وأكثر معنى.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button