دينيس بوكوشيوا… شابة تحمل تراث الإكوادور إلى “بنان”

ربيعة الحربي_الرياض

قدّمت دينيس بوكوشيوا واحدة من أكثر الحكايات ثراءً في معرض “بنان” الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية بنسخته الثالثة الذي تقيمه هيئة التراث، بعدما جاءت من الإكوادور حاملة معها تراثاً كاملاً من حرف السكان الأصليين في منطقة الأمازون. ورغم أنها تعرّف نفسها قائلة: “اسمي دينيس بوكوشيوا، عمري 22 عاماً”، فإن ما تكشفه بعد لحظات يجعل الرقم مجرد تفصيل صغير؛ فهي تعمل في صناعة السيراميك منذ أن كانت في الخامسة، أي ما يقارب 17 عاماً من الممارسة اليومية، ما يجعلها شاهدة على جيل كامل من الحرفيات وامتداداً طبيعياً لجذور هذه الصناعة.
تتحدّث دينيس عن بيتها كما لو كان ورشة حيّة تنبض بالطين واللون والنار. فأسرتها كلها—الأب والأم والأخوات—تعمل معاً في صناعة السيراميك داخل المنزل، وهي عادة متوارثة بين عائلات السكان الأصليين حيث ترتبط الحرفة بالهوية، لا بالمهنة فقط. تصف دينيس هذا المشهد البسيط كأنه حجر الأساس الذي حفظ لهذه الصناعة بريقها، فالمعرفة تُنقل شفاهة، وتُمارَس بالأيادي نفسها التي تحمل الذاكرة من جيل إلى جيل.
ولا تكتفي دينيس بالعمل العائلي، فهي أيضاً رئيسة منظمة نسائية تحمل اسماً بلغة السكان الأصليين “سينتشي ساتشا”، ويعني “النساء القويات”. تضم المنظمة 22 امرأة، كلهن من المجتمعات الأصلية، وكلهن يعملن في السيراميك بوصفه جزءاً من ثقافتهن لا يمكن السماح بزواله. تقول دينيس إن حضورهن إلى “بنان” ليس لعرض المنتجات فقط، بل لعرض ثقافة كاملة تُعبّر عنها القطع، وتُجسّدها الرموز، وتحملها الوجوه التي صنعتها.
وفي الركن الذي تشارك به، لا توجد قطعتان متشابهتان. تؤمن دينيس بأن لكل شكل روحه الخاصة، ولكل نقش معنى، ولكل خط قصة تخرج من أحلام النساء، كما تخرج من الأساطير والروايات القديمة التي تصوغ ذاكرة الأمازون. حتى الأدوات التي يعملن بها تُصنع يدوياً؛ فالفرشاة التي تُستخدم لرسم الخطوط الدقيقة تُصنَع من شعرهن، ليصبح العمل امتداداً للجسد والذاكرة معاً. أما الطين، فيُجمع من الأرض، ويُخلط ويُشكَّل ويُحرق بالنار داخل عملية كاملة لا تعتمد على أي أدوات صناعية.
وتنتمي أعمال دينيس إلى مدرسة فنية تُعرف باسم Mukawa، وهي مدرسة مُعترف بها على قائمة التراث الإنساني غير المادي لدى اليونسكو، ما يجعل هذه الصناعة ليست مجرد مهارة يدوية، بل جزءاً من ذاكرة إنسانية مشتركة. تستوحي النساء أشكالهن من الحيوانات التي تعيش في غابات الأمازون، ومن كائنات تُرى في الأحلام، ومن رموز لا يجوز تغييرها لأنها تحمل معاني مرتبطة بالسكان الأصليين وطقوسهم القديمة.
كما تعرض دينيس حُلياً مصنوعة من حبات الخرز والبذور التي تُجمع من الغابات، ولكل لون دلالة، ولكل قطعة معنى. بعض التصاميم مخصّص للنساء فقط، وبعضها للرجال، وكلها تعتمد على رموز مستمدة من الطبيعة ومن المعرفة التقليدية بالنباتات الطبية التي يستخدمها السكان الأصليون منذ قرون.
وجود دينيس في معرض “بنان” بدا أشبه بامتداد نهر من الأمازون إلى الرياض، فقد جاءت حاملة معها حكايات جدّاتها، ومهارات أسرتها، وتراث مجتمع كامل يصارع من أجل البقاء. وفي كل قطعة عرضتها، كان يمكن للزائر أن يرى الطين وقد تحوّل إلى ذاكرة، وأن يسمع قصّة طويلة ترويها امرأة شابة تعلّمت منذ المراهقة أن الفن ليس زينة فحسب، بل هو ما يبقي الهوية حيّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى