قصة حوارية: “نرجسيتي… وأخلاقي”

 

بقلم /د محمد أبو حريد

في مساءٍ هادئ، جلستُ مع نفسي…

وفجأة، ظهر طرفان بداخلي يتجادلان:

نرجسيتي من جهة، و أخلاقي من جهة أخرى.

رفعت نرجسيتي رأسها أولاً وقالت بصوتٍ مليء بالغرور:

– “انظر إليّ… أنا سبب حضورك، أنا التي تمنحك القوة، أنا التي تجعلك تشعر بأنك أفضل من غيرك.”

ابتسمت أخلاقي بهدوء، وقالت بصوت ناعم لكن ثابت:

– “القوة ليست أن ترى نفسك فوق الناس… القوة أن تعرف قدرك دون أن ترفع نفسك على الآخرين.”

انزعجت النرجسية وقالت:

– “ولِمَ لا أعلو؟ لِمَ لا أتفاخر؟ أليس لديّ ما يجعلني أفضل منهم؟ أليس من حقي أن أرى نفسي شيئاً عظيماً؟”

ردّت أخلاقي بثقة:

– “افخر بنفسك… نعم.

لكن لا تُهِن أحداً.

ارفع رأسك… لكن لا تطأ أعناق الناس.

الرقي أن تكون كبيراً دون أن تُصغّر أحداً.”

صمتت نرجسيتي لحظة، ثم قالت بحدة:

– “وماذا عن الغيبة؟ عن النميمة؟ عن الكلام الذي يُقال خلف ظهري؟”

قالت أخلاقي:

– “إذا تكلموا… فدعهم.

الناس لا ترمي الحجارة إلا على الشجرة المثمرة.

لكن انتبه… لا تجعل إساءاتهم سبباً لأن تتحول أنت إلى نسخة مثلهم.”

صرخت النرجسية:

– “لكنني أريد أن أرد! أريد أن أظهر قوتي! أريد أن أُريهم من أنا!”

تنفّست أخلاقي عميقاً وقالت:

– “ليس كل رد قوة.

أحياناً… الصمت أشدّ من الكلام، والتجاوز أقوى من الانتقام.

الهيبة في الأدب… لا في الصوت العالي.

والاحترام في الأخلاق… لا في التكبر.”

قالت النرجسية بسخرية:

– “يعني تريدينني أن أكون ضعيفاً؟ أن أتظاهر باللطف بينما يحاول الجميع التقليل منّي؟”

ردّت أخلاقي بلهجة حادة لأول مرة:

– “لا أحد قال إن الأخلاق ضعف.

الأخلاق قرار… قرار صعب.

أن تمسك نفسك حين تستطيع الإيذاء… هذا قوة لا يفهمها النرجسيون.”

سكتت نرجسيتي، كأنها لأول مرة تسمع شيئاً لم تفهمه تماماً، ثم سألت:

– “وما الفرق بين الكبرياء… والغرور؟ بين الرقي… والنرجسية؟”

قالت أخلاقي:

– “الكبرياء أن تعرف قيمتك.

الغرور أن تراها أكبر مما هي.

الرقي أن تُعامل الناس كما تُحب أن يُعاملوك.

والنرجسية أن تُعاملهم كما تظن أنك تستحق… لا كما يستحقون هم.”

وبقي السؤال الأخير معلّقاً بينهما…

قالت نرجسيتي:

– “إذاً من يكذب؟ أنا أم أنت؟”

ابتسمت أخلاقي وقالت:

– “أنا لا أكذب… أنا الأصل.

أنتِ مجرد ظلٍّ مُبالغ فيه لشيء جميل داخلي… لكنك تكبرين حين يضعف إيماني، حين يضيع أدبي، حين أنسى أن الله يرى.”

ثم أضافت:

– “النرجسية تُبعد الناس…

أما الأخلاق فترفع الإنسان عند الله وعند البشر.”

وبين الصمت والكلمات… أدركت أن الحقيقة كانت واضحة منذ البداية:

النرجسية صرخت…

لكن الأخلاق أقنعت.

والأخلاق هي التي قالت الصدق..

..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى