قراءة في قصيدة «وتمضي الليالي» لشاعر الأمة محمد ثابت

خالد المويهان :يمضي شاعر الأمة محمد ثابت في خطّ نسغه العاطفي بمهارة شاعرٍ يتقن الإنصات لنبض قلبه،
اسم القصيدة: وتمضي الليال
اسم الشاعر: شاعر الأمة محمد ثابت
بقلم / الأديب الكويتي خالد المويهان
في قصيدة «وتمضي الليالي» يمضي شاعر الأمة محمد ثابت في خطّ نسغه العاطفي بمهارة شاعرٍ يتقن الإنصات لنبض قلبه، ثم يعيد تشكيل ذلك النبض في أبياتٍ تحمل لهيب الشوق ووجع البعد وهمس الرجاء. هذه القصيدة ليست مجرد بوحٍ عابر؛ إنها اعتراف طويل يضع فيه الشاعر كل ما بقي من ظلالِ قلبه أمام محبوبته، كأنه يسائلها ويسائل القدر معًا: لماذا كل هذا التيه؟ ولماذا يطول الطريق بين عاشقين جمعهما الشغف وفرق بينهما الصمت؟
يفتتح الشاعر نصه بصوتٍ يشبه قدرًا مسلّمًا به:
حَسبي وحَسبُكِ أن أكونَ قَتيلا / أو أن تكوني للغرامِ دَليلا
وكأن الحب في نظره معركة لا نجاة منها، فإما التضحية، وإما الارتماء في هداية العشق. هذا التمهيد يكشف روح القصيدة كلها؛ روحٌ متعبة، لكنها لا تزال تُمسك بطرف الأمل.
ثم يضعنا الشاعر في مقارنة خالدة، حين يربط محبوبته بـ بثينة، ويربط نفسه بـ جميل، في إحالةٍ إلى قامة الحب العربي العريق، حيثُ لا يُذكَر العشق إلا مقرونًا بما يُخلِّده. هذه الإشارة ليست للزخرفة، بل لتأكيد أن ما بينهما ليس طيفًا عابرًا بل امتداد لتاريخٍ من الولَه.
ويستمر الشاعر في تصوير الحنين بلمسة إنسانية شديدة العمق:
ما زال دمعي يشتكي طول النوى / ما زال قلبي ضائعًا وذليلا
إنها اعترافات عاشق لا يجد في كبريائه ملجأ، ولا في التعالي خلاصًا؛ فالعاطفة هنا تنزع عن الشاعر كل أقنعته، ليبقى في حضرة الحب كما خُلق: ضعيفًا، صادقًا، منكسرًا لكنه متمسك.
وفي مقطعٍ آخر يواجه الشاعر محبوبته بالسؤال الذي يثقل صدر كل عاشق:
فلمَ التعالي والعيونُ شواهدٌ / والدمعُ عندكِ لا يكونُ بخيلا؟
وكأنه يقول لها: إذا كان الشوق ظاهرًا، وإذا كانت العيون تنطق قبل الكلمات، فلمَ الهروب؟ ولماذا تنكسر الطرق بين قلبين يعرف كل منهما الآخر قبل أن ينطق؟
وتبلغ الدراما العاطفية ذروتها حين يصف الشاعر طريق الحب بأنه سبيل الحائرين، طريقٌ يتقاطع فيه الخوف مع الرجاء، واليقين مع الشك، حتى تغدو الليالي معابر طويلة يتسرب فيها الوقت، ولا يتسرب منها النسيان:
تمضي الليالي والظنون تلفّني / وهواكِ جرحي لا أروم بديلا
أما النهاية، فهي عودة إلى بدايات الحب الأولى؛
فحبه يأبى الأفول، ونجمتها في سمائه ما زالت عالية، لا تغيب، ولا تسمح للظلام أن يستقر في روحه.
هكذا يختم الشاعر قصيدته بروح عاشقٍ هزمته الأيام، لكن لم يهزمه الحب.
إن «وتمضي الليالي» ليست مجرد قصيدة غزل، بل هي مرآة لروحٍ تتشبث بما تبقى من نور، واعترافٌ صريح بأن بعض العلاقات لا تنتهي… بل تبقى معلّقة بين القلب والذاكرة، بين ما نريد وما يريده القدر.
قصيدة تحمل توقيع شاعر الأمة محمد ثابت، وتؤكد مرة أخرى قدرته على أن يجعل من الوجع جمالًا، ومن الشوق نصًا خالدًا
وتمضي الليالي قصيدة لشاعر الأمة محمد ثابت
حَسبي وحَسبُكِ أن أكونَ قَتيلا
أو أن تكوني للغرامِ دَليلا
فإذا ذكرتُ الحبَّ كنتِ بثينةً
وإذا ذكرتِ العشقَ كنتُ جَميلا
مَازالَ دمْعِي يشْتكي طولَ النوى
مَا زالَ قلْبي ضائعًا وذليلا
فلمَ التَّعالي والعيونُ شَواهدٌ
والدَّمعُ عِنْدكِ لا يكونُ بَخيلا
يخْتالُ كُلُّ العَاشقينٓ بحبِّهمْ
مابالُ حُبِّكِ يقْتضي التَّأويلا
حَسبي وحسبُكِ أن نعاندَ حُبَّنا
ويصيرُ دربُ الحائرينٓ سَبيلا
تمضي الليالي والظُّنونُ تَلُفُّني
وهواكِ جٌرحي لا أرومُ بَديلا
مازالَ حُبُّكِ يَسْتكينُ بمُهجتي
مازالَ نَجمُكِ لا يريدُ أُفولا
قصيدة لشاعر الأمة
محمد ثابت
مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مصر



