جلسة روّاد السينما تجربة الروّاد السعوديين (المحيسن نموذجا )

لمى الحربي – جدة
في اليوم الثالث والختامي من مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية 2025 في نسخته الثالثة، جاءت جلسة روّاد السينما كإحدى أبرز محطات الختام، لتقدّم للجمهور تجربة ثرية من ذاكرة السينما السعودية عبر استضافة شخصية ريادية صنعت حضورها في وقت لم تكن فيه الصناعة واضحة المعالم.
أدار الجلسة الأستاذ محمد الحيزان، المستشار الإعلامي وعضو هيئة التدريس بكلية الاتصال والإعلام، فيما كان ضيف الجلسة معالي الأستاذ عبدالله المحيسن، رئيس مجلس إدارة الشركة العالمية للإعلام وأحد أهم الأسماء التي أسهمت في بناء اللبنات الأولى للمشهد السينمائي في المملكة.
بدأت الجلسة بإضاءة الحيزان على التحديات الاجتماعية والثقافية التي واجهت الروّاد الأوائل، مشيرًا إلى أن الظروف آنذاك لم تكن تمهّد لظهور صناعة سينمائية حقيقية، مما جعل خطوات التأسيس أكثر صعوبة. ورغم ذلك، استطاع المحيسن ومن معه فتح الطريق أمام أجيال لاحقة، مؤكدًا أن التغيير لا يبدأ من بيئة جاهزة، بل من الإصرار على خلق الفرصة.
وانتقل الحديث بعدها إلى ذكريات ضيف الجلسة، الذي استعاد بدايات شغفه بالسينما منذ طفولته في الحضانة الإنجليزية بمصر، حيث كان يُصطحب الأطفال إلى صالات السينما كل نهاية أسبوع. حفرت صور “توم وجيري” وأفلام الأطفال الأولى في ذاكرته البصرية أثرًا لا يُنسى، ثم تعزز هذا الشغف عند عودته للمملكة، حين كان يشاهد في مختبر العلوم أفلامًا تعليمية عن الفيروسات وكريات الدم، وهي التجارب التي كوّنت لديه حسًا بصريًا مبكرًا لم يدرك وقتها أنه سيقوده إلى دراسة السينما لاحقًا.
ورغم أن هذا التوجه لم يكن مألوفًا في زمنه، أصرّ المحيسن على دراسة السينما، فبدأ رحلته في بولندا قبل أن ينتقل إلى بريطانيا ليموّل دراسته بنفسه. وهناك قدّم فيلمه الوثائقي «جسر الإسلام جسر المستقبل»، الذي فتح له الأبواب نحو أعمال بارزة أخرى مثل «ظلال الصمت». وروى موقفًا مؤثرًا جمعه بوالده، حين خيّره بين ثلاثة تخصصات فقط: طبيب، طيار، محامٍ. حاول المحيسن أن يقنعه بأنه يريد أن يكون “محامي مجتمع”، قاصدًا بذلك السينما، لكن رد والده كان صارمًا: “يا تدرس واحد من الثلاثة… يا دبّر نفسك.”
ورغم قسوة الموقف، يرى المحيسن أنه كان نقطة تحول مهمة دفعته لترسيخ مساره السينمائي بثبات أكبر.
وبعد عودته إلى المملكة وتأسيسه الاستوديوهات العالمية للإعلام، واجه تحديات حقيقية تمثلت في غياب الكفاءات الفنية، وضعف وجود الممثلين، وعدم إدراك الجهات الرسمية لأهمية الإنتاج السينمائي حينها، إضافة إلى التحولات الاجتماعية التي كانت تمر بها المملكة. ومع ذلك، استمر في العمل وبدأ بإنتاج أفلام وثائقية ترتبط بقضايا المنطقة، ومنها قضية لبنان التي عاش جزءًا من أحداثها خلال فترة ازدهارها الثقافي.
وعند الحديث عن رؤيته للسينما السعودية، أكد المحيسن أن السينمائي السعودي لا يصنع عالميته بتقليد غيره، بل بتقديم بيئته المحلية بصدق، مجسدًا رؤيته الشهيرة: “العالمية تنبع من المحلية.” ومن هنا جاءت تسمية شركته بـ “العالمية للإعلام”، انطلاقًا من إيمانه بأن الهوية المحلية هي البوابة الأصدق للوصول إلى العالم.
وفي ختام الجلسة، طُرحت على الضيف نصيحة للطلاب الراغبين في دخول عالم السينما. فأكد معاليه أن الطالب السينمائي يجب أن يمر بجميع مراحل الإنتاج، كما فعل في بداياته عندما كان ضمن فريق من ثمانية طلاب يتبادلون الأدوار بين الإخراج والمونتاج والصوت وغيرها، ليكتسب كلٌ منهم رؤية شاملة لصناعة الفيلم. وشدد على أن السينمائي الحقيقي هو من يعيش بين الناس، يلتقط قصصهم، ويفهم قضاياهم، لا من ينظر من أعلى. وقال عبارته التي لاقت تفاعلًا كبيرًا من الحضور:
“السينما تُصنع من قلب المجتمع… لا من قمّة بعيدة عنه.”
وحذّر من تقليد هوليوود أو استنساخ رؤى خارجية، موضحًا أن قوة السينما تكمن في صدقها، وفي انعكاسها لروح المجتمع وثقافته.
وبهذا اختُتمت الجلسة التي حملت الكثير من الإلهام، مقدّمة للحضور خلاصة تجربة روّاد السينما السعودية من خلال نموذج بارز مثل عبدالله المحيسن، الذي نقل قصته من تحديات البدايات إلى صناعة تأثير حقيقي ما زال يُلهم الأجيال الجديدة لبناء سينما سعودية أصيلة تتجه بثقة نحو العالمية.



