على هامش «أيام المروية العربية» محاضرة ثقافية تُعيد قراءة الفن الإسلامي خارج السردية الاستشراقية  

 

الرياض: عبد العزيز عطية العنزي

على هامش جلسات «أيام المروية العربية» التي نظمها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في نسختها الثالثة نظمت محاضرة ألقاها الأستاذ الدكتور إدهام حنش، مدير مركز الخط والمخطوط بمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإلكسو)، لتشكّل المدخل المعرفي لأعمال المؤتمر هذا العام.

وفي مستهلّ الفعالية، ألقى الدكتور عبد الله حميدالدين، مساعد الأمين العام للشؤون العلمية بالمركز، كلمة رحب فيها بضيوف المؤتمر من داخل المملكة وخارجها، مؤكدًا على أهمية التعاون العلمي مع المؤسسات العربية في مشروع “المروية العربية” الذي أطلقته صاحبة السمو الملكي الأميرة مها الفيصل الأمين العام لمركز مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية قبل ثلاث سنوات، لكونه يسعى لإبراز دور الجزيرة العربية والعرب في منجز الحضارة العربية الإسلامية، وفي منجز الحضارات الإنسانية عامةً، ومعنيّ بالأطر التي شكّلت الذات العربية الثقافية والحضارية، وصورة الإنسان العربي عن نفسه الحضارية والثقافية، ومعرفة الإنسان العربي بنفسه وتاريخه ومجتمعه.

وأوضح حميدالدين أن موضوع مؤتمر “أيام المروية العربية”الثالث يتمحور حول تشكيل السرديات التي تحدّد مفهومنا للفن، وليس حول تحليل الأعمال الفنية نفسها، مشيرًا إلى أن الإجابات عن أسئلة مثل: ما الذي يجعل عملاً ما «فنًّا»؟ وأيّ قيم تحدّد أهميته؟ تتوقف على القصة التي يرويها الإنسان عن ذاته وهويته وإمكاناته الحضارية. ومن هنا تتبدّى المفارقة بين السردية الاستشراقية التي صاغت مفهوم الفن العربي الإسلامي ضمن أُطر خارجية، وبين المروية العربية التي تسعى لاستعادة نظراتها الجمالية الأصيلة وتحرير المفهوم من القيود المنهجية الموروثة عن الاستشراق.

وتناول الدكتور إدهام حنش في محاضرته التحول من السردية الاستشراقية إلى المروية العربية في دراسة الفن العربي الإسلامي، مستعرضًا الإشكاليات النظرية والمنهجية التي رسّخها الخطاب الاستشراقي منذ القرن السابع عشر حتى بدايات القرن العشرين، حين أطلق على الفن العربي مصطلحات مثل الأرابسك والفن الإسلامي، وقرأه بوصفه حقلًا متحفّيًا جامدًا منفصلًا عن جذوره الفلسفية والجمالية.

وبيّن حنش أن الدراسات الاستشراقية -على رغم إسهاماتها المبكرة- انطلقت من رؤية تُقصي الفاعل العربي وتختزل الفن في مخلّفات أثرية غير قادرة على التعبير عن الرؤية الكامنة خلف الإبداع الإسلامي، مما أوجد إشكاليات واسعة مثل: الفراغ الفني قبل الإسلام، أو تعارض الدين مع الفن، أو نفي الأصالة والابتكار العربيين. ومن هنا جاءت الحاجة إلى مراجعة عربية عميقة تعيد الاعتبار للفلسفة الجمالية العربية، وتستعيد دور الجزيرة العربية -وخصوصًا مكة والمدينة- في نشأة تقاليد هذا الفن عبر العمارة والخط والمصحف الشريف.

كما استعرض حنش ملامح التحول من «علم الجمال الاستشراقي» إلى محاولات التأصيل العربي، وصولًا إلى ضرورة تناول «علم الفن العربي الإسلامي» بوصفه حقلاً معرفيًّا قادرًا على تفسير الفن من داخل منطقه الجمالي والروحي والحضاري، وليس عبر مقارنات خارجية أو مناهج تصنيفية جامدة.

وشكّلت محاضرة الدكتور حنش أرضية معرفية انطلقت منها جلسات المؤتمر اللاحقة، إذ قدّم إطارًا نقديًّا يُعيد قراءة الفن العربي الإسلامي خارج القوالب التقليدية التي فرضتها الكتابات الغربية، ودعا إلى تفكيك المقولات الموروثة التي تعاملت مع الفن الإسلامي بوصفه ظاهرة جامدة أو تابعة للتقاليد الإمبراطورية المحيطة.

وأوضح أن المروية العربية -بما تنطوي عليه من تفكير في الذات والعالم- تتيح مقاربة جديدة تدمج بين التجربة الجمالية والوعي التاريخي، وتمنح الباحثين والفنانين على السواء القدرة على إعادة صياغة أسئلتهم ومناهجهم بعيدًا عن مركزية النظرة الاستشراقية.

وختم الدكتور حنش بإبراز البعد الحضاري للتعارف بين الفنون والثقافات، مؤكدًا أن استعادة المروية العربية في الفن لا تهدف إلى الانغلاق، بل إلى تعزيز حضور الرؤية العربية في حوار الفنون العالمي، وتمكين الفنان العربي من التعبير عن ذاته وهويته في فضاء إنساني واسع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى