من قاعات الدراسة للميدان… كيف تقلّص “سفراء الإعلام” الفجوة بين التعليم والتطبيق؟

الرياض _حنان البكري

يمثل الانتقال من القاعات الدراسية إلى ميادين العمل الإعلامي واحدة من أكثر المراحل أهمية في المسار المهني للطلاب، فبين النظريات التي تُدرّس في الجامعات، و بين الواقع المتسارع لغرف الأخبار و منصات البث و التغطيات الميدانية، تتشكّل تحد للطالب و تنقص فرص اندماجه المبكر في سوق العمل ، و من هنا جاءت مبادرة “سفراء الإعلام”، إحدى مبادرات المنتدى السعودي للإعلام، لتعيد رسم هذا الطريق، و تقدّم نموذجًا جديدًا يجمع بين المعرفة النظرية والخبرة العملية، و يمنح الطلاب فرصة اختبار عالم الإعلام كما هو ، لا كما يتخيلونه.

و اعتمدت المبادرة على بناء منهج تدريبي يعكس احتياجات الصناعة الحالية؛ فبدلًا من الاقتصار على تنمية مهارات التحرير التقليدي، يفتح مسارات متعددة تشمل الصحافة الرقمية، و صناعة المحتوى المرئي، و مهارات التقديم و الإنتاج، وتقنيات إدارة غرف الأخبار، بالإضافة إلى التدريب على العمل تحت الضغط، و كيفية التعامل مع الأدوات الذكية، التي أصبحت جزءًا أساسيًا من بيئة العمل الإعلامي، و مع هذا النهج تتكوّن لدى الطلاب رؤية مهنية أكثر نضجًا، يتعرفون فيها على واقع المؤسسات الحديثة، و على طبيعة التنافسية العالية في سوق الإعلام.

و تتفرد مبادرة سفراء الإعلام بتجربة ميدانية واسعة داخل المنتدى السعودي للإعلام، و الفعاليات المصاحبة له، لتضع الطلاب مباشرة في قلب العملية الإعلامية، حيث يتولى المشاركون مهام حقيقية، و في هذه اللحظات، تتلاشى الحدود بين المتعلّم و المتدرّب، و يتحول الطالب إلى عنصر فاعل ، يخطئ و يتعلم، و ينجح و يتقدم، و يختبر شروط المهنة بكل ما فيها من سرعة و تحديات و قرارات سريعة.

و مع اتساع التجربة و تراكم الخبرات، تتجاوز مبادرة “سفراء الإعلام” فكرة التدريب المرحلي إلى بناء شبكة كفاءات إعلامية وطنية قابلة للاستدعاء عند الحاجة، لا بوصفها قائمة أسماء، بل منظومة متكاملة من مهارات متخصصة؛ لتمثيل المملكة في المحافل المحلية و الدولية بمهارات إعلامية و قدرات احترافية، و حس ثقافي عالمي، و في هذه الشبكة، التي تتشكل عبر دورات متتابعة، تتيح للجهات المنظمة في المناسبات الوطنية و الفعاليات العالمية الوصول إلى طاقات شابة مُجرَّبة ميدانياً، تعرف بروتوكولات العمل، و تستطيع الاندماج بسرعة داخل فرق التغطية،
و حين يتكرر الاحتكاك بالواقع، يتحول المتدربون إلى رصيد جاهز يختصر الوقت ويقلل الأخطاء.

و على المدى الأبعد، تمنح هذه الشبكة الإعلامية المميزة، قدرة تنظيمية في إدارة الرواية الإعلامية خلال الأحداث الكبرى، عبر توزيع الأدوار و تحديد التخصصات وبناء قواعد بيانات للكفاءات وفق مناطقهم و خبراتهم و اهتماماتهم، فبدلاً من البدء من الصفر في كل حدث، تصبح هناك ذاكرة عمل متراكمة تُفعِّلها المؤسسات عند استضافة قمم دولية أو بطولات أو مناسبات وطنية واسعة، مع إمكانية إعادة تأهيل المشاركين سريعاً وفق طبيعة كل حدث، و بهذا المعنى، لا تكتفي المبادرة بتخريج أفراد، بل تُنتج بنية بشرية مرنة تعزز الاستدامة، و تخلق مساراً واضحاً للترقي المهني، وتدعم جودة التغطية بما يليق بصورة المملكة و حجم حضورها.

و تؤكد مبادرة “سفراء الإعلام” أن بناء القدرات الإعلامية لا ينشأ في القاعات وحدها، بل في المساحات، التي يلتقي فيها التعليم بالممارسة، و في البيئات التي تمنح الشباب فرصة مواجهة الواقع المهني كما هو، و التفاعل مع الخبراء، و مراقبة صناعة القرار الإعلامي عن قرب، و مع كل دورة من دورات المبادرة، يتشكّل جيل جديد من الإعلاميين، أكثر وعيًا، و أكثر ثقة في قدراته، و أكثر قدرة على الالتحاق بسوق العمل دون فجوة أو ارتباك، إنه جسر حقيقي بين النظري و العملي، بين الجامعة والمؤسسة، بين الشغف و الاحتراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى