اليوم الوطني البحريني: ذاكرة الوطن وعزيمة المستقبل

بقلم الكاتبة: نجاح لافي الشمري
الحدود الشمالية – رفحاء

ليس اليوم الوطني مجرد تاريخ يُدوَّن في الذاكرة، بل هو لحظة تأمل عميقة في معنى الوطن، وفي العلاقة الخفية التي تربط الإنسان بالأرض، والزمان بالمصير. في اليوم الوطني البحريني، تستيقظ الذاكرة الجمعية لتروي حكاية وطنٍ صاغته التجارب، وثبّتت أركانه الإرادة، وحملته القيم قبل أن تحمله الحدود.

ذاكرة الوطن ليست سردًا للماضي فحسب، بل وعيٌ متراكم تشكّل عبر مسيرة طويلة من الصبر والعمل. إنها ذاكرة الأجداد الذين آمنوا بأن البناء يبدأ من الإنسان، وأن البحرين ليست مساحة جغرافية، بل معنى يتجسد في العدل، والتعايش، والانتماء. ومن هذه الذاكرة تولد الهوية، لا جامدة ولا منغلقة، بل حيّة تتجدّد مع كل جيل.

أما عزيمة المستقبل، فهي الوجه الآخر للذاكرة؛ فالأمم التي تعرف تاريخها لا تخشى الغد، بل تصنعه. وفي البحرين، يتحول الاحتفال باليوم الوطني إلى فعل وعي ومسؤولية، حيث يدرك الفرد أن حبه لوطنه لا يكتمل بالفرح وحده، بل بالعمل، وبالإيمان بأن المستقبل يُبنى بالعقل كما يُحمى بالقيم.

إن اليوم الوطني البحريني هو توازنٌ دقيق بين ما كان وما سيكون؛ بين ذاكرة تحفظ الجذور، وعزيمة تتجه نحو الأفق بثقة. وفي هذا التوازن يكمن سر الوطن القادر على البقاء، لا لأنه يتذكّر فقط، بل لأنه يختار في كل مرة أن يمضي قدمًا.

وفي قلب ذاكرة الوطن، تقف القيادة بوصفها المعنى الذي يمنح التاريخ اتجاهه، ويحوّل الحلم إلى واقع. فقد رسّخ حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، رؤية تقوم على أن الوطن لا يُدار بالقوة وحدها، بل بالحكمة، وبإعلاء قيمة الإنسان، وبترسيخ دولة المؤسسات والقانون. ومن خلال مشروعه الإصلاحي، فتح آفاقًا جديدة لمسيرة البحرين، حيث أصبح الاستقرار ركيزة، والتنمية خيارًا، والهوية الوطنية إطارًا جامعًا لا يُقصي أحدًا.

وإلى جانب هذه الرؤية، تتجسّد عزيمة المستقبل في شخصية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي يمثّل جسرًا واعيًا بين طموحات الحاضر وآمال الغد. فقد ارتكزت جهوده على تمكين الإنسان البحريني، وتعزيز الاقتصاد الوطني، وترسيخ مفهوم العمل القائم على الكفاءة والمسؤولية، ليغدو المستقبل مشروعًا يُبنى بالفعل لا بالانتظار.

وبين حكمة القائد ورؤية ولي العهد، تتشكّل معادلة الوطن؛ قيادة تستحضر التاريخ دون أن تتوقف عنده، وتؤمن بأن البحرين لا تتقدم إلا بتكامل الإرادة، ووحدة الهدف، وثقة الشعب بمستقبله. وهكذا، يصبح اليوم الوطني شاهدًا على وطنٍ يقوده العقل، وتحميه القيم، وتمضي به العزيمة نحو آفاق أكثر إشراقًا.

ولا يكتمل معنى اليوم الوطني البحريني عند حدود الوطن، بل يمتد صداه إلى فضاءٍ أوسع، حيث تشارك دول الخليج العربي البحرين فرحتها بوصفها فرحة مشتركة، تنبع من وحدة التاريخ وتشابه المصير. فالعلاقة بين شعوب الخليج لم تكن يومًا علاقة جوارٍ عابر، بل رابطةً نسجتها اللغة الواحدة، والعقيدة المشتركة، والوجدان الذي يرى في استقرار أي وطنٍ خليجي استقرارًا للجميع.

إن احتفال الخليج باليوم الوطني البحريني هو تعبير عن وعيٍ جمعيٍّ يدرك أن الأوطان حين تتكامل، تصبح أقوى من التحديات، وأكثر قدرة على صناعة المستقبل. فالبحرين ليست جزيرة معزولة في وجدان الخليج، بل قلبٌ نابض في جسده، يفرح لفرحه، ويقف معه في مسيرته، كما تقف هي ثابتةً في صف أشقائها.

وتتجلى وحدة الخليج هنا لا كشعارٍ سياسي، بل كقيمةٍ إنسانيةٍ راسخة، تؤمن بأن المصير المشترك يفرض تضامنًا واعيًا، وتعاونًا يتجاوز المصالح إلى الإخوة. وفي هذا الإطار، يغدو اليوم الوطني البحريني مناسبةً خليجية بامتياز، تؤكد أن ما يجمع هذه الدول أكبر من الجغرافيا، وأعمق من الزمن.

وهكذا، تتحد الذاكرة الخليجية في فرح البحرين، كما تتوحد العزيمة في حماية حاضرها وبناء مستقبلها، ليظل الخليج كيانًا متماسكًا، تُشدّ أركانه بالمحبة، وتثبّته الإرادة، ويقوده الإيمان بوحدة لا تتجزأ.

وفي ختام هذه الكلمات، لا يسع القلم إلا أن يرفع دعاءه إلى الله أن يحفظ مملكة البحرين قيادةً وشعبًا، وأن يديم عليها نعمة الأمن والاستقرار، ويكتب لها دوام التقدم والازدهار. كما نسأله تعالى أن يبارك في وحدتها، ويجعل أيامها الوطنية محطات عزٍّ تتجدد فيها معاني الانتماء والفخر.

وإنني، وأنا أكتب من المملكة العربية السعودية، أجد في فرح البحرين امتدادًا لفرح وطني، وفي استقرارها طمأنينةً لقلوبنا جميعًا، فهذه هي روح الخليج التي لا تعرف الحدود حين يتعلق الأمر بالأخوة. أفخر بانتمائي لوطني السعودية، قيادةً وشعبًا، وبما يمثله من ثقلٍ ومسؤوليةٍ في محيطه الخليجي، وبما يجمعه مع البحرين من روابط راسخة لا تهزّها الأيام.

حفظ الله أوطاننا العربية، وأدام عليها نعمة الوحدة والتكاتف، وجعل مستقبلها قائمًا على الوعي، والسلام، والعمل المشترك، ودامت الأخوّة العربية رابطًا لا تنفصم عراه، ودام الخليج قلبًا نابضًا في جسد الأمة العربية. وجعل وحدتها قوة، وتكاتفها أمانًا، ومستقبلها إشراقًا لا يخبو، ودامت المحبة جسرًا أبديًا بين الشعوب، ودام الخليج والوطن العربي بيتًا واحدًا، يجمعنا تحت راية العز والوفاء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى