من المركز 49 إلى وصافة العالم: عندما تحوّلت الرؤية إلى دولة رقمية

شروق عبدالله الاحمري – الرياض

في عام 2020 كانت المملكة العربية السعودية تحتل المركز التاسع والأربعين عالميًا في مؤشر نضج الحكومة الرقمية.

رقم لم يكن مخيبًا بالمعنى المطلق لكنه كان إنذارًا وطنيًا بضرورة إعادة التفكير في كيفية تقديم الخدمات الحكومية، وبناء منظومة متكاملة تراعي سرعة الأداء وجودة التجربة للمواطن والمقيم على حد سواء.

لم يكن الهدف مجرد تحسين ترتيب عالمي بل إعادة هندسة الحكومة نفسها لتصبح أكثر كفاءة ومرونة وقدرة على التكيف مع المستقبل.
خمس سنوات مرت وفي تقرير GTMI 2025 الصادر عن مجموعة البنك الدولي جاءت المملكة في المركز الثاني عالميًا بين 197 دولة. هذا الانتقال ليس مجرد قفزة رقمية بل هو نتيجة رؤية استراتيجية متكاملة وضعتها القيادة السعودية ،تقودها رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ،تجعل من التحول الرقمي أداة للتطوير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي معًا.
ما تحقق في السعودية هو مثال حي على كيف يمكن للدولة أن تتجاوز التحديات التقليدية في الإدارة الحكومية فتقلل البيروقراطية وتسرّع الإنجاز وتضع المواطن في قلب العملية. التحول لم يقتصر على نقل المعاملات الورقية إلى الإنترنت ،بل شمل إعادة التفكير في جميع العمليات الحكومية وتصميمها حول احتياجات المستفيدين، بحيث تصبح التقنية وسيلة للتمكين لا عبئًا إداريًا إضافيًا.

التقرير الدولي لم يقس المملكة على عدد الخدمات الرقمية فحسب ،بل قيّم عمق النضج الرقمي والتكامل بين الأنظمة وقدرة الحكومة على الابتكار وإشراك المواطنين في الخدمات. في جميع المحاور الرئيسية سجلت المملكة نسبًا تقارب الكمال ،من الأنظمة الحكومية الأساسية الرقمية التي بلغت 99.92%، إلى الخدمات الرقمية للمواطنين بنسبة 99.90%والتفاعل الرقمي مع المواطنين بنسبة 99.30% ،ودعم الابتكار والتحول الرقمي بنسبة 99.50%.
هذه الأرقام ليست مجرد بيانات بل انعكاس لمدى تطور بنية الدولة وإدراكها لضرورة ربط الأداء بالنتائج الفعلية للمواطن.

ما بين 2020 و2025 تغيّر الواقع اليومي للمواطن بشكل جذري ،خدمات كانت تتطلب أيامًا أو أسابيع باتت تُنجز خلال دقائق عبر منصات مثل أبشر وتوكلنا واعتماد وقيـوى. هذه المنصات لم تعد واجهات إلكترونية بل منظومات متكاملة تتواصل مع بعضها وتختصر الوقت وتقلل الأخطاء وتضمن متابعة الإجراءات لحظة بلحظة ،نسب الرضا عن هذه الخدمات تجاوزت في بعض المنصات 90%، وهو مؤشر على أن التحول الرقمي نجح ليس فقط على مستوى التقنية بل على مستوى تجربة الإنسان.
السرعة الكبيرة في الوصول إلى المركز الثاني عالميًا تعكس وضوح القرار السياسي وسرعة التنفيذ وربط الأداء بالنتائج.

خمس سنوات كانت كافية للانتقال من المرتبة 49 إلى المركز الثاني وهو إنجاز نادر على مستوى العالم ،يظهر أن القيادة السعودية تعاملت مع التحول الرقمي بوصفه أولوية وطنية واستراتيجية سيادية، وليس خيارًا تقنيًا ثانويًا.
تحليل الخبراء يظهر أن نجاح المملكة قائم على ثلاثة محاور رئيسية: وضوح الرؤية والقرار السياسي ،التكامل بين الجهات الحكومية ،وتركيز الحكومة على تجربة المستخدم والمواطن بدلاً من الشكل الإداري للتقنية.

هذه المنهجية جعلت من السعودية نموذجًا يُدرس عالميًا في كيفية تحويل الطموح الرقمي إلى واقع ملموس يلمسه المواطن يوميًا.
الأمر يتعدى مجرد ترتيب عالمي ،فالمركز الثاني العالمي يضع المملكة في موقع القوة الرقمية الإقليمية ويؤكد قدرتها على المنافسة مع دول ذات تاريخ طويل في الرقمنة.

هذا الإنجاز يبرز مدى استثمار المملكة في البنية التحتية الرقمية والموارد البشرية ويظهر كيف يمكن للتقنية أن تصبح أداة لتقوية السيادة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ما بين كيف كنا وكيف صرنا يمكن القول إن السعودية لم تلحق بالعالم الرقمي فحسب بل دخلت سباق الريادة من الصفوف الأولى. التحول الرقمي أصبح ركيزة أساسية في إدارة الدولة ووسيلة لإعادة تعريف العلاقة بين الحكومة والمواطن وأداة لتحسين جود الحياةوتقليص الهدر وتعزيز الكفاءة في الأداء الحكومي.

إن الإنجاز السعودي في مؤشر GTMI ليس رقمًا عابرًا في التقارير الدولية بل هو قصة نجاح حقيقية تجسد قدرة الدولة على التخطيط الاستراتيجي ،التنفيذ الفعلي ، والابتكار المستمر مع تركيز على الإنسان قبل التقنية ،وهو نموذج عالمي يثبت أن التحول الرقمي يمكن أن يكون أداة لتطوير الدولة وتعزيز جودة حياة المجتمع بشكل مستدام وملموس.

حفظ الله السعودية وأدام عليها الأمن والاستقرار ومضيّها بثبات نحو ريادة رقمية عالمية تليق باسمها ومكانتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى