أخبث أنواع التخبيب… حين تُفسِد الكلمة ما تعجز عن ترميمه السنون

قلم الإعلامي :صالح المحجم
ليس كل فسادٍ يُمارَس بضجيج أو صدام مباشر
فبعضه يتسلّل هادئًا
ناعم الملامح
لكنه أشدّ فتكًا وأعمق أثرًا
ومن أخطر هذه الصور ما يُعرف بـ التخبيب
ذلك السلوك الخفي الذي يقوم على إفساد العلاقات الإنسانية ، بين الأزواج والإخوة الأصدقاء ، بل ويتجاوزهم ليطال الفكر والدين والطموح.
وأخبث أنواع التخبيب هو ما يُمارَس بطرق غير مباشرة ، لا يُعلن الخراب صراحة ، بل يُزرع على مهل ويُغذّى بالمقارنة ويُسقى بالمبالغة حتى تنقلب القناعة سخطًا والرضا نقمة.
في زمن المنصّات المفتوحة يطلّ بعض المشاهير متدثّرين بشعارات براقة عن حقوق المرأة ومكانتها.
يتقمّصون دور المنقذ المثالي ويبالغون في تصوير الظلم ويقدّمون أنفسهم كأنهم الصوت الوحيد للعدل والإنصاف
تصدّق المرأة هذا الخطاب العاطفي فتنتقل من الطمأنينة إلى التذمّر ومن القناعة إلى التمرّد دون أن تدرك أن ما انتُزع منها لم يكن حقًا مسلوبًا بل رضًا مستقرًا
وفي الضفة الأخرى تمارس بعض النساء تخبيبًا غير مقصود حين يُفرطن في مدح أزواجهن أمام الأخريات فيُقدَّم الزوج في صورة الكمال المطلق حبّ لا يضعف وصبر لا ينفد وكرم لا يُحدّ.
فتسمع الأخرى وتقارن ثم تعود إلى بيتها محمّلة بخيبة لا ذنب لزوجها فيها
ولا يختلف المشهد عند بعض الأزواج الذين يبالغون في مدح زوجاتهم أمام الآخرين
في طاعتهن
وحنانهن
وطبخهن
ولباسهن
واهتمامهن
فيجلس رجل آخر يستمع فيُصدّق ، ويبدأ السخط على شريكته، ناسيًا أن البيوت لا تُقاس بالروايات ولا تُبنى بالمقارنات
ويمتدّ التخبيب إلى تفاصيل الحياة اليومية أحاديث متكرّرة عن السفر وتجديد الأثاث والهداياوالحب المثالي… حتى تُرهَق العقول وتضيق الصدور وتُهدم البيوت لا لعجزٍ في الواقع بل لإفراطٍ في الصورة
وعلى مستوى الأقارب والأصدقاء يُلقى السؤال وكأنه بريء لماذا لم يزرك؟ لماذا لم يدعك؟
ماذا أهدَاك؟ لماذا لم يحضر؟
أسئلة صغيرة في ظاهرها لكنها كفيلة بتكدير القلوب وإشعال نار لا تُطفأ بسهولة.
ولا ينجو من التخبيب حتى ميدان التعليم
طالبٌ مجتهد منضبط يجلس إلى آخر فاشل أو محبط فيسمع وما فائدة الدراسة؟ لا وظائف لا مستقبل
فينتقل من النشاط إلى الإحباط ومن الطموح إلى الكسل
بل إن أخطر صوره تتجلّى في باب الدين والالتزام شابٌّ محافظ حريص على صلاته يأتيه آخر مستهتر فيُدخل الشبهات إلى عقله ويهوّن المعاصي في قلبه ويزهّده في الطاعات فينقله من نور الاستقامة إلى عتمة التهاون
ولهذا جاء التحذير الشرعي شديدًا فالتخبيب حرام ومن كبائر الذنوب لما يترتب عليه من خراب للقلوب والعلاقات والمجتمعات
وقد قال رسول الله ﷺ «ليس منا من خبّب امرأة على زوجها أو عبدًا على سيده»
التخبيب ليس رأيًا ولا نصيحة ولا حرية تعبير بل عدوانٌ على الاستقرار واغتيالٌ للرضا وجريمة تُرتكب بالكلمة قبل الفعل.
وما أحوجنا اليوم إلى وعيٍ يحفظ البيوت ويصون القلوب ويُدرك أن ليس كل ما يُقال يُنشر ولا كل ما يُلمَّح إليه بريئًا.



