الكتابة والصحة النفسية: قلمٌ يُشفي الروح

مضاوي دهام القويضي
في عالمٍ يتسارع فيه الإيقاع ويزداد فيه الضغط النفسي، تبرز الكتابة كواحدة من أكثر الوسائل فاعلية لفهم الذات، تفريغ المشاعر، وتحقيق السلام الداخلي. فمنذ القدم، استخدم الإنسان الكلمة كوسيلة للتعبير عن الألم، الأمل، والحنين، لكن ما لبث العلم الحديث أن كشف أن للكتابة تأثيرًا علاجيًّا حقيقيًّا لا يقل أهمية عن العلاجات النفسية التقليدية. فما العلاقة بين الكتابة والصحة النفسية؟ وما المقصود بالكتابة العلاجية؟ وكيف تُستخدم الكتابة في العلاج النفسي والسلوكي؟
### الكتابة وفوائدها النفسية
الكتابة، خصوصًا تلك الصادقة والمنطلقة من القلب، تُعدّ نافذة على العقل الباطن. فهي لا تُسجّل الأحداث فحسب، بل تُعيد ترتيبها، وتمنحها معنى. وقد أثبتت الدراسات النفسية أن الأشخاص الذين يكتبون بانتظام عن مشاعرهم وتجاربهم يُظهرون تحسنًا في مستويات التوتر، النوم، وحتى في وظائف المناعة. فالكتابة تُقلّل من تراكم المشاعر السلبية، وتحول الفوضى الداخلية إلى قصة منظمة يمكن فهمها ومعالجتها.
### ما هي الكتابة العلاجية؟
الكتابة العلاجية (Therapeutic Writing) هي ممارسة موجهة تهدف إلى تحسين الحالة النفسية من خلال التعبير الكتابي عن الأفكار والمشاعر. لا تتطلب هذه الممارسة مهارات أدبية، بل تنطوي على الصدق والانفتاح مع الذات. من أبسط أشكالها ما يُعرف بـ”الكتابة التعبيرية” (Expressive Writing)، وهي تقنية طوّرها عالم النفس جيمس بنيه (James Pennebaker)، حيث يُطلب من الشخص أن يكتب لمدة 15 إلى 20 دقيقة يوميًّا عن تجربة مؤلمة أو عاطفية، دون قلقٍ بشأن القواعد اللغوية أو التراكيب.
النتائج المترتبة على هذه الممارسة مذهلة: انخفاض في مستوى التوتر، تحسّن في المزاج، بل وانخفاض في زيارات العيادات الطبية لدى المشاركين في الدراسات. فالكتابة هنا لا تُشفِي الجسد مباشرة، لكنها تُحرّر العقل من ركام المشاعر المكبوتة، مما ينعكس إيجابًا على الجسم ككل.
### العلاج النفسي والسلوكي بالكتابة
في سياق العلاج النفسي، تُستخدم الكتابة كأداة مساندة ضمن جلسات العلاج المعرفي السلوكي (CBT) أو العلاج النفسي الديناميكي. ففي العلاج المعرفي السلوكي، قد يُطلب من المريض أن يكتب يوميات أفكاره السلبية، ليتم تحليلها مع المعالج وتحديها واستبدالها بأفكار أكثر واقعية وإيجابية. كما تُستخدم تقنيات مثل “رسائل التعاطف مع الذات” أو “الخطابات غير المرسَلة” لمعالجة المشاعر العالقة أو العلاقات غير المكتملة.
أما في العلاجات النفسية العميقة، فقد تُستخدم الكتابة لاستكشاف الرموز، الأحلام، أو الدوافع اللاواعية، مما يساعد الفرد على الوصول إلى جذور معاناته النفسية.
### خاتمة: القلم كصديقٍ ومرشد
الكتابة ليست هروبًا من الواقع، بل جسرٌ لفهمه. إنها مرآةٌ تعكس ما في القلب، ودليلٌ يرشدنا في متاهات النفس. سواء مارستها كهواية، كوسيلة يومية للتأمل، أو كجزء من رحلة علاجية رسمية، فإن الكلمة المكتوبة تبقى واحدة من أنبل الطرق لاستعادة التوازن النفسي والانسجام الداخلي. ففي كل مرة نكتب، نمنح أنفسنا فرصةً للتنفّس، للنمو، وللتغيير.
كاتبة سعودية



