الدكتور عبدالله الغذامي… حين يتكلم المشروع لا الخصوم

بقلم: عبدالعزيز عطية العنزي

ليس الدكتور عبدالله الغذامي مجرد أديب أو ناقد ثقافي عابر في المشهد العربي، بل هو مشروع فكري متكامل، اشتغل على تفكيك البنية الثقافية العربية، وذهب عميقًا في مساءلة المسلّمات، وكشف الأنساق المضمرة التي حكمت وعينا الجمعي لعقود طويلة. ومن هنا تأتي مقولته اللافتة:

«من لديه مشروعه فهمه مشروعه لا خصومه»، بوصفها خلاصة تجربة فكرية، لا جملة عابرة.

الغذامي، منذ كتابه الشهير الخطيئة والتكفير، مرورًا بـ النقد الثقافي والمرأة واللغة، لم يكن في صراع مع أشخاص، بقدر ما كان في مواجهة أنساق فكرية متجذّرة. مشروعه لم يُبنَ على ردّ الفعل، بل على فعل معرفي واعٍ، يرى أن الخصومة غالبًا ما تكون ضجيجًا يحيط بالفكرة، بينما الفكرة الحقيقية تنشغل بذاتها، وبما تريد أن تغيّره في بنية الوعي.

مقولته هذه تُحمّل صاحب المشروع مسؤولية الفهم قبل الدفاع، ومسؤولية التأسيس قبل الاشتباك. فالمشروع الفكري – كما يراه الغذامي – لا يُقاس بعدد الخصوم، بل بقدرته على إنتاج الأسئلة، وخلق مساحات جديدة للتفكير. الخصوم، في هذا السياق، يقرأون المشروع من الخارج، بينما صاحبه وحده يعرف مساراته، وانكساراته، ومناطق الشك التي مرّ بها قبل اليقين.

كما تكشف المقولة عن نقد مبطّن لثقافة السجال العربي، التي كثيرًا ما تستهلك الجهد في الردّ والتصنيف، بدل البناء والتطوير. الغذامي لا ينفي وجود الخصوم، لكنه يضعهم في موقعهم الطبيعي: متلقّين متأخرين عن لحظة التأسيس، لا صُنّاعًا لها. فالمشروع الحقيقي لا يتغذّى من العداء، بل من الأسئلة التي يطرحها على نفسه أولًا.

الدكتور عبدالله الغذامي قدّم نموذجًا للمثقف الذي لا يخشى سوء الفهم، لأن ثقته في مشروعه أكبر من حاجته للتبرير. ولذلك ظلّ حضوره مؤثرًا، حتى في أشد مراحل الجدل حول أفكاره. لقد فهم مشروعه جيدًا، فترك للزمن مهمة غربلته، وللقارئ مهمة اكتشافه بعيدًا عن ضجيج الخصومة.

وفي النهاية، تبقى مقولة الغذامي درسًا لكل صاحب فكرة:

أن تفهم مشروعك بعمق، هو أول أشكال الدفاع عنه، وربما آخرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى