رأيتُ الشمس أخيرًا من نسخة رواية إلى نسخةٍ منّي تعرفني جيدًا

بقلم / بشائر الحمراني

ليست كل الروايات تُقرأ، بعضُها يحدث لك.
وهذه الرواية لم تكن كتابًا بقدر ما كانت مرآة، انتقلتُ معها من كونها نصًا مكتوبًا إلى نسخةٍ حيّة تتشكّل داخلي، نسخةٍ منّي كانت تعرفني قبل أن أجرؤ على الاعتراف بها.

“رأيتُ الشمس أخيرًا” لم تتحدث عن بطل بعيد، ولا عن حكاية منفصلة عن الواقع، بل عن ذلك الإنسان الذي يعيش في الداخل؛ المتعب، الصامت، المؤجِّل لشفائه، والمتصالح ظاهريًا مع ألمه، بينما ينهكه من الداخل. ومع كل صفحة، لم أكن أتابع تطوّر الشخصية، بل كنت أراقب نفسي وهي تتعرّى بهدوء.

الشمس في الرواية لم تكن وعدًا بالخلاص، بل لحظة صدق. لحظة أن ترى نفسك كما هي، دون أقنعة النجاة، ودون حاجة لتجميل ما انكسر. هذا التحوّل هو ما جعل النص ينتقل من رواية تُحكى إلى تجربة تُعاش. فحين تتوقف عن البحث عن نهاية سعيدة، وتبدأ بالبحث عن معنى، تكون قد اقتربت من الضوء.

لغة الرواية ساعدت هذا الانتقال؛ لم تُثقل المعنى بالشرح، ولم تفرض تفسيرًا واحدًا. كانت الجمل قصيرة، عميقة، كأنها تُقال بصوت داخلي مألوف. شعرت أن الكاتب لا يكتب لي، بل يكتب منّي. يلتقط تلك الأفكار التي نعرفها جيدًا لكننا لا نحب مواجهتها.

ما يميّز هذه التجربة أن الرواية لا تُنقذك، بل تُعيدك إلى نفسك. لا تقول لك إن الألم انتهى، بل تُعلّمك كيف تجلس معه دون أن تخاف. ومع هذا الفهم، تتحوّل الشمس من رمز بعيد إلى قدرة داخلية: أن ترى، أن تعترف، وأن تمضي بوعي.

هكذا تحوّلت “رأيتُ الشمس أخيرًا” من مجرد رواية على رف، إلى نسخة منّي تعرفني جيدًا. نسخة لا تُنكر ضعفي، ولا تُقدّسه، بل تفهمه. ومن هذا الفهم وحده، يبدأ الضوء الحقيقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى