خطاب رئيسِ جمهورية طاجيكستان، فخامة السيد إمام علي رحمان — أمل بمستقبلٍ مشرق

د.آدينه أحمد سعيدزاده
استاذ بجامعة طاجيكستان القومية
خطابُ رئيسِ جمهوريةِ طاجيكستان، فخامةُ السيدِ إمام علي رحمان، إلى مجلسِ الأمةِ الأعلى في بلاده، يُعَدُّ وثيقةً هادِيةً مهمةً تُحدِّدُ مسارَ تطوّر الدولة لعامٍ جديدٍ مليءٍ بالمسؤوليات. محتوَاهُ وكلماتهُ الحكيمةُ ونداءاتهُ الصادقةُ تعزّزُ في قلوب كل مواطنٍ شعورَ الفخر والمسؤولية والأمل بمستقبلٍ مشرق. لذلك، أصبح خطابُ السيدِ إمام علي رحمان مدرسةً قيِّمةً للتربية، وتعزيز الوحدة، وبناء المجتمع، حيث إن دراسةُ محتواه والاستفادةُ من تجربته أهميةٌ كبيرةٌ لكل واحدٍ منا. وقد قالَ الحكماءُ إن الخطابَ المؤثرَ يرتكزُ على ثلاثةِ عناصر: أولاً، المتحدث؛ ثانياً، أسلوبُ الإلقاء؛ ثالثاً، الموضوعُ الذي يُقال. تأثير كلام الخطيب على المستمعين يمر كرسالة وأخبار ضرورية من قلب وروح الخطيب إلى قلب وروح المستمع، فيرتفع أساسه كعرش عالٍ وقصرٍ مرتفع وآمن.في بداية خطاب فخامة السيد إمام علي رحمان، كان النقطة المهمة التي جذبت اهتمام المجتمع بشكل أكبر هي تأكيد الرئيس على الأحداث البارزة لعام 2025. وقد وصف إمام علي رحمان عام 2025 بفخر بأنه “عام تاريخي”، وفعلاً أظهروا تاريخية هذا العام من خلال ترتيب الأحداث: انتخاب أعضاء مجلس النواب، اجتماعات النواب المحليين وأعضاء المجلس الوطني في مجلس الأمة الأعلى لجمهورية طاجيكستان؛ حل القضية الكاملة للحدود الدولة التي لم تُحل منذ أكثر من مئة عام؛ توقيع الاتفاقية بين طاجيكستان وقيرغيزستان؛ وفتح صفحة جديدة من التفاهم والسلام في تاريخ الشعوب تحت اسم “الصداقة الأبدية”.
في الخطاب الأخير، تم أيضًا تناول القضايا المحورية والهامة في جدول الأعمال العالمي مثل تغير المناخ وذوبان الأنهار الجليدية، تعزيز الثقافة القانونية، استخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسانية، وحماية التراث الثقافي، مما يعكس إدراكًا عميقًا للمخاطر المعاصرة وضرورة الاستجابة السريعة لها. وقد أثبتت طاجيكستان مرة أخرى أنها مع قيادتها لا تنسى قول الأجداد – الشاعر الكبير سعدي “الناس أعضاء بعضهم البعض”، بل جعلته شعارًا لها، ويمكنها أن تكون محورية وذات تأثير كبير في مناقشة القضايا الإنسانية العالمية.
يجدر بالذكر أنه منذ تولي فخامة السيد إمام علي رحمان مسؤولية قيادة بلاده، وضع دائماً قطاع العلم والتعليم في محور السياسة الوطنية. وتعتمد هذه السياسة على الحكمة القائلة: “العلم أساس الدولة والتعليم هو أساس الوعي الوطني”. وفي الخطاب الأخير، أكد الرئيس بشكل أوضح على أهمية الاستثمار في هذا القطاع المصيري: “أعتبر دعم واهتمام هذه القطاعات المهمة والمصيرية استثمارًا في مستقبل مشرق للأمة وبقاء الدولة”. وهذه المعلومات بمثابة دعوة للجميع: يجب على المعلمين أن يكونوا أكثر استعدادًا، ويجب بناء المزيد من المدارس، ويجب أن يتغير نظام التعليم، لكي يتم تربية هذه القوة العظيمة من العقول بجودة تستحقها.اليوم، في عالم يزداد فيه التنافس على المعرفة والتكنولوجيا والموارد البشرية يومًا بعد يوم، لا يمكن لأمة أن تظل ثابتة وقوية إلا إذا وضعت الاستثمار في عقول أبنائها، وفي فضاء المعرفة والتعليم، كأولوية استراتيجية. ومن هذا المنطلق، شدد رئيس الدولة على الأهداف الجديدة، موجهًا إلى النظام التعليمي لمدة اثني عشر عامًا بمراجعة وتطوير الاستراتيجية الوطنية لتنمية التعليم للفترة حتى عام 2030.
كما أنه في ظل توجه العالم نحو الاقتصاد الرقمي، وتحول قدرات العلوم الطبيعية والدقيقة والرياضية إلى عنصرٍ أساسي في التنمية المستدامة، أعلنت طاجيكستان أيضًا سنوات 2020 – 2040 “عقدًا لدراسة وتطوير العلوم الطبيعية والدقيقة والرياضية في قطاع العلم والتعليم”. وشدد قائد الأمة على ضرورة تقييم نتائج هذه المبادرة بعد ست سنوات بجدية، لأن هذه المجالات يمكن أن تحول طاجيكستان إلى دولة مبتكرة وذات تكنولوجيا متقدمة.في الوقت نفسه، يتطلب التنمية المستدامة للبلاد، بما في ذلك التكامل المعرفي مع العالم المعاصر، تعليم اللغات الأجنبية، وخاصة الروسية والإنجليزية، بجودة عالية في جميع المستويات. وقد اقترح قائد الأمة أن يقوم فريق خاص من الخبراء بتحليل حالة تعلم هذه اللغات وتقديم تدابير جديدة لتسريع هذه العملية. وتعد هذه المبادرة، أولاً وقبل كل شيء، طريقًا مستدامًا لتوسيع التعاون الأكاديمي مع الدول الأجنبية، وزيادة تنافسية المتخصصين الطاجيك في السوق العالمية، وتعزيز مكانة طاجيكستان كدولة ذات رأس مال فكري قيّم على الصعيد الدولي
بمبادرة جمهورية طاجيكستان وقرار الأمم المتحدة، تم إعلان عام 2025 “السنة الدولية لحماية الأنهار الجليدية” والسنوات 2025-2034 “عقد علوم الكريوسفير”، مما عزز مكانة طاجيكستان كرائدة في “الدبلوماسية العلمية”، ورفع قضايا المياه والمناخ من المستوى المحلي إلى الساحة العالمية، وجعل بلادنا تدريجيًا مركزًا للمبادرات الدولية المتعلقة بالمناخ. وفي هذا السياق، اقترح قائد الأمة تحويل المؤسسة الحكومية العلمية والبحثية “مركز دراسة الأنهار الجليدية في الأكاديمية الوطنية للعلوم” إلى المؤسسة الحكومية العلمية والبحثية “معهد دراسة الأنهار الجليدية والكريوسفير في الأكاديمية الوطنية للعلوم”. ذكر إمام علي رحمان بمسؤولية عالية أن إحياء الذاكرة التاريخية والحفاظ على كرامة وشرف التراث الثقافي يُعدّان واجبًا مهمًا وأساسيًا. في السنوات الأخيرة، وبتوجيه مباشر من رئيس الدولة، تم تنفيذ طباعة وتوزيع مجاني لمجموعة من الأعمال الخالدة للعلماء الطاجيك لتعزيز الوعي الوطني ورفع مستوى معرفة الناس. وقد أكد إمام علي رحمان أن “في هذه الفترة تم طباعة وتوزيع مجانًا 3,200,000 نسخة من كتاب «الطاجيك» للعلامة باباجان غفوروف و«شاهنامه» للأبولقاسم الفردوسي الخالد”. وتشير التحليلات إلى أن تنفيذ هذه المبادرة الفريدة قد حقق بالفعل نتائج جيدة، وزاد بشكل ملحوظ من مستوى المعرفة والثقافة لدى فئة الشباب في المجتمع. وينبغي أن يصبح قراءة المزيد من هذه الكتب جزءًا من الحياة اليومية في كل بيت طاجيكي، وعاملًا في تلبية الاحتياجات الروحية. إن طباعة وتوزيع 3,200,000 نسخة من كتابي «الطاجيك» و«شاهنامه» مجانًا يشكل حافزًا عامًا لإيقاظ الوعي الوطني، مما يعزز أساس الهوية الوطنية ويقوي دعائم المعرفة بالتاريخ.
كما ذكرنا، احترام التاريخ والحضارة والإنجازات الخالدة التي تمثل وجود وأصالة الأمة الطاجيكية كان دائمًا محور اهتمام فخامة السيد إمام علي رحمان، ويتم تقديم التأكيدات والتوجيهات المفيدة في هذا المجال سنويًا. وفي هذا الخطاب هذا العام، تم الإشارة بفخر ورضا إلى أنه بفضل جهود طاجيكستان، تم إدراج 11 موقعًا من التراث الثقافي القديم في خُتتال (في مناطق جلال الدين البلخي، دانغارا، واسعي، فارخور وخوالينغ في ولاية ختلون) في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو. ويؤكد هذا الإجراء مرة أخرى أن المجتمع العالمي اليوم لا يعترف بشعبنا فحسب، بل يقر ويدعم تاريخنا وحضارتنا الغنية.جزء من هذا التراث أصبح بالفعل عالميًا. وبفضل الدبلوماسية الثقافية، تم إدراج 11 موقعًا من خُتتال القديم في قائمة اليونسكو. وهذا دليل على أن التراث الثقافي الطاجيكي جزء نادر من الحضارة الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، تم إعلان مدينة بنجَاكَنت بفضل تطريزها الفريد “المدينة العالمية للحرف اليدوية للتطريز” وشاعرة البلخ رُبَيه، ذات الأسلوب الرقيق، كإحدى وجوه الثقافة العالمية المتميزة للسنوات 2026-2027.
في خطاب فخامة السيد إمام علي رحمان، تم الإشارة باحترام إلى شخصية المؤرخ المثقف برباد ماروازي، الذي تم الاعتراف به من قبل العلماء والخبراء العالميين كأحد أوائل المتخصصين في علم الموسيقى والتلحين المحترف في المنطقة الآرية. هذا العبقري من عصر الساسانيين، الذي أسر القلوب بمعرفته وفنه الموسيقي، يمكن اليوم أن يقدم للعالم دليلًا آخر لا جدال فيه على عمق الثقافة الطاجيكية. ودعا قائد الأمة وزارة الخارجية ووزارة الثقافة لاتخاذ التدابير اللازمة لإدراج اسم برباد في قائمة الشخصيات البارزة في الثقافة لدى اليونسكو.تأسيس مركز الحضارة الآرية، المخطط في مدينة دوشنبه، عاصمة طاجيكستان المستقلة، يُعدّ مبادرة مهمة جدًا في سبيل إعادة بناء الذاكرة التاريخية للأمة. ويشير قائد الأمة إلى المساهمة الفريدة لأسلافنا في تشكيل الثقافة الإنسانية، وخاصة التراث الآري والشخصيات البارزة، مؤكدًا أنه يجب علينا، شاكرين للماضي، أن نبني الحاضر ونسعى لربط جيل اليوم بالمستقبل. وفي هذا السياق، يمكن أن يتحول إنشاء المركز الدولي للنوروز إلى مؤسسة دولية مرموقة لأبحاث التقاليد والقيم الإنسانية للحضارة الآرية.يمكن القول إن المقترحين مرتبطان معًا ولديهما رسالة واحدة: تعزيز أسس الوعي الوطني ونشر الثقافة الطاجيكية الساعية للسلام، الحكمة والإنسانية على الساحة العالمية.
ناقش فخامة السيد إمام علي رحمان قضية توظيف السكان والحماية الاجتماعية للمواطنين باعتبارها جزءًا مهمًا من السياسة الاجتماعية للدولة بشكل واسع، مؤكدًا: “في هذا الصدد، يجب إيلاء اهتمام خاص لتوظيف خريجي المراكز التعليمية والمؤسسات التعليمية الابتدائية والمتوسطة، وعلى وجه الخصوص النساء، ذوي الإعاقة، والفئات الأخرى من السكان الذين يحتاجون إلى الدعم الاجتماعي”. وبالنظر إلى الإمكانيات الاقتصادية الحالية وضرورة تحسين مستوى معيشة السكان، أصدر توجيهًا بزيادة رواتب المعلمين بنسبة 20-25٪، ورواتب العاملين في مجالات العلوم والثقافة والرياضة والصحة وأجهزة إنفاذ القانون بنسبة 20٪، اعتبارًا من 1 سبتمبر 2026. كما ستزداد المعاشات التقاعدية والبدلات الإضافية بنسبة لا تقل عن 15٪.
في الوقت نفسه، يشير تأكيد إمام علي رحمان على أننا نسعى باستمرار لتوفير تعليم عالي الجودة وظروف عمل ومعيشة جيدة للشباب إلى أن السياسة الاجتماعية للدولة مستقرة وواعدة. وقد أكد فخامة السيد إمام علي رحمان على الدور المحوري للمرأة في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، معربًا عن أمله قائلاً: “أعتقد أن النساء في بلادنا سيبذلن جهدًا أكبر في تربية الأبناء بروح تعلم العلم والمعرفة والمهارات، والالتزام بالقوانين الوطنية ‘بشأن تنظيم الاحتفالات والمراسم’ و’بشأن المسؤولية عن تعليم وتربية الأطفال’، وكذلك العادات والتقاليد والأعراف للشعب الطاجيكي القديم، بما في ذلك الاقتصاد والتقشف وارتداء الملابس الوطنية. وأعرب بثقة تامة أنهن سيكونن في الصفوف الأمامية للمجتمع في مقاومة التطرف والخرافات والإسراف والمبالغة”.
في هذا الخطاب المليء بالأخبار، أوضح فخامة السيد إمام علي رحمان مسار العلاقات الخارجية ودور طاجيكستان على الساحة الدولية. ومع التأكيد على سياسة “الأبواب المفتوحة” واحترام الثقة المتبادلة، شدد رئيس الدولة على استمرار التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والإنساني مع دول العالم والمؤسسات الدولية. واليوم، تقع طاجيكستان، بوصفها دولة محبة للسلام ومؤسسة للحضارة، على طريق التعاون الدولي النشط. ومن هنا، تظهر سياستنا الخارجية وجه الأمة على الساحة العالمية، وجه هادئ، بنيّة بنّاءة، وكلمة سلام.
الاستقلال، بلغة القلب، هو نفس حرية الأمة، القوة التي تحافظ على الدولة حية ومستقرة وموثوقة. وسيكون عام 2026، عندما تحتفل طاجيكستان بالذكرى الخامسة والثلاثين لاستقلالها، تجسيدًا للطريق المليء بالفخر والجهود اللامتناهية للأمة. هذا الاحتفال المميز هو رمز لاستمرارية الدولة، والوحدة، والوعي الوطني للطاجيك.وفي هذا السياق، دعا فخامة السيد إمام علي رحمان، بصدق وحب الوطن، كل مواطن في البلاد للاحتفال بالذكرى السنوية للاستقلال من خلال الأعمال الصالحة، بدءًا من صيانة وتنظيف الشوارع والأحياء وصولًا إلى المساهمة في بناء المؤسسات والمراكز الاجتماعية. الأمة التي تبني مدنها بيدها، تمهد شوارعها، وتنظف ساحات المدارس، لا يمكن لأحد أن يغلبها.وفي هذا السياق، اقترح فخامة السيد إمام علي رحمان أن نحتفل بعام 2026 باعتباره “عام توسيع أعمال الإعمار والبناء وتعزيز الوعي والاعتزاز الوطني”. هذا الاقتراح يمثل استراتيجية أيديولوجية، وبرنامجًا لإحياء الروح الوطنية، ومدرسة للمعرفة الوطنية، لأن الأمة التي تعرف نفسها تبني ذاتها. والأمة التي تبني، لا تحافظ على نفسها فحسب، بل تحمي وطنها واستقلالها وثقافتها.وفي خطابه، أشار فخامة السيد إمام علي رحمان إلى أن كل مواطن شريف في البلاد ملزم، بوعي عالٍ بمسؤوليته الإنسانية والوطنية، في ظل عالم مليء بالأحداث، أن يسعى جنبًا إلى جنب مع حماية الوطن والدفاع عن القيم لتعزيز مكانة وسمعة طاجيكستان على الصعيد الدولي، مؤكدًا: “هذا دين وطني وإيماني وواجب إنساني ومواطني على كل واحد منا!” هذه الكلمات هي نداء لإيقاظ الوعي الوطني، وعهد روحي، ونور الأمل والثقة التي صدحت في خطاب قائد الأمة.
بشكل عام، يُعد خطاب قائد الأمة دليلًا مستمدًا من حب عميق للوطن والشعب، ومسؤولية تجاه الأجيال القادمة، ونظرة استراتيجية للقيادة، حيث يقدم توجيهات وإرشادات. هذا الخطاب، بمقترحاته المحددة، وإجراءاته الواضحة، وكلماته المليئة بالأمل، يوجهنا نحو الوعي الذاتي والانتماء الوطني، نحو النور والتنمية، حيث تخطو طاجيكستان، بالاعتماد على قوة شعبها، وبفخر بتاريخها العريق، ومع قائدها البصير والعبقري، نحو مستقبل أكثر إشراقًا.وبالتالي، كان خطاب فخامة رئيس جمهورية طاجيكستان، السيد إمام علي رحمان، بالإضافة إلى شمولية جميع جوانب الحياة اليومية للشعب الطاجيكي، رسالة تبشر بمستقبل مشرق وواعد للأمة والدولة. إنه منظور يوجّهنا، من خلال التذكير والفخر بتاريخنا وحضارتنا، نحو تعزيز واستقرار أسس الدولة والهوية الوطنية والوعي الوطني. لذلك، يجب أن تكون تطبيق النقاط الجوهرية لهذا الخطاب مصدر إلهام لكل فرد وطني، لنتمكن تحت توجيه وسياسة قائد الدولة الحكيمة والمحبة للثقافة من تحقيق تطلعاتنا الوطنية.



