تجار الحقيقة

بقلم/ عبدالعزيز الماجد
الاعلام كشعاع الشمس حين يجتاح الجباه ليصطاد حقائق الأخبار فينير بها ظلمات الأرض.

ولأن الأصل في الأشياء هو الإباحة فقد جاءت القوانين والمثل الأخلاقية والإنسانية كضابط لتلك الاباحة وكابح لجماحها ومنظم لحريتها؟ والحرية هي ضالة الإعلام متى وجدها هو الأحق بها؟ ولعل أعظم حقيقة هي القاعدة التي رسمت مسار التطور البشري منذ بدأ الخليقة وحتى يومنا هذا؟ وهي قاعدة كسرت كل القواعد لتصبح القاعدة الأساس؟ فأين المفر؟

تعالوا معنا في جولة نقصد بها سوق الإعلام لنعرف هل نحن في علم ونور؟ ام انه وهم وظلام؟ وأين هو الخبر؟ والحدث؟ والمكان؟ والزمان؟ والمراسل؟ والمذيع؟ والممول؟ والمسؤول؟

إن واقع اليوم يجيب عن كل هذه الأسئلة؟ فمنذ ظهور ما يسمى الاعلام البديل او السوشل ميديا الغير محكومة بضوابط وأسقف تكبح جماح اندفاعها المجنون؟ واحكامها المبرمة؟ وتطلعاتها الشاذة؟ بعيدا عن ترهاتها الفارغة من أي مضمون عدا تسميم الأفكار والتلاعب بالعقول؟ ويجدر بنا القول هنا ان الأنسان في يومنا هذا بات هو نفسه الموقع وهو الخبر والمصدر والكلمة والصورة والمكان والزمان والمسؤول والممول؟ وكأنه تلاشى دور الاعلام الخشبي المتعارف عليه؟

لقد اضطرنا ذلك إلى البحث عن المعنى الحقيقي (للحقيقة) بذاتها في ظل هذا التسارع الذي نشهده في عصر الثورة التكنولوجية والمعلوماتية التي نعيشها؟ والتي يبرز من خلالها السؤال الأكثر الحاحا وهو هل هي الحقيقة أم أنه سوق الحقيقة؟ أم هي الدراهم؟ أو باتت الحقيقة كلها لا تساوي بضعة دراهم؟ خاصة وأننا في كل صباح جديد نكتشف بأن تعريف الإعلام قد تغير؟ وفي كل نسخة جوال محدثة يتغير التصنيف التجاري للمواقع الإعلامية؟ وفي كل تحديث لتطبيق يتغير الجمهور والبث والنص وعنوان الخبر؟ ما يثير التساؤل في أعماقنا هل نحن نجري حقا أم أن هناك من يدفعنا للتوهم بذلك؟

سنغوص من خلال هذا المقال في الأعماق لإجراء عملية فرمته كاملة للإعلام وللمحطات وللمنصات ولمواقع الكذب والتهويل والتدليس وتزييف الحقائق مع استنزاف الوقت! وتكييس العقول؟ وتحييد الملايين؟ وسننطلق من كل هذه الفوضى لتكون وجهتنا نحو الكلمة والمعنى والصورة والواقعة؟ لنرسم خطا من أول السطر؟ ونقول لمن لا يعلم متى أصبحت الحقيقة سلعة يمكن الإتجار بها؟ ومن أين كانت البداية؟

فإن وفقنا لذلك فإنه من عند الله عز وجل وإن فشلنا فيكفينا شرف المحاولة في سمو المقصد.

يظن بعض السذج الواهمون من الحمقى بأن التلاعب او اللعب أو المتاجرة بالحقيقة أمر سهل المراد لا عواقب له؟ ذلك أنهم لا يعلمون معنى الحقيقة والهدف من إظهارها وتبنيها كما أنه مؤشر على عدم إدراكهم بأن اللعب معها كاللعب بالنار (حرفيا) لأن ذلك سرعان ما يحفزها على الانتقام بعنف وشراسة مفرطة؟! ولا اظن عاقل يتمنى أن يشمله غضبها أو يصيبه انتقامها المأساوي؟ بكل ما سيجره من ألام وأوجاع قد يصل حدها الى اعلى درجات التغييب والنفي في فضاء اللا واقع واللا حقيقة؟! حيث تصبح الإنسانية حينها بلا معنى ولا قيمة لوجودها؟ بل إن الغابة حينها هي الأنسب لها مكانا وزمان؟

إن المعضلة التي ستعترض طريقنا في حال تلاعبنا بالحقيقة أو اقصيناها؟ وحصرناها ضمن أهوائنا ورغباتنا التي لا علاقة لها بها؟ هي ان نكتشف باننا لم نكن مدركين بأن الحقيقة عندما تقرر الانتقام والرد على هذا التلاعب أو ذلك الإقصاء؟ يكون ردها بلغة حازمة وصارمة ينتفي ضمن سيكولوجيته معادلة أنصاف الحلول؟ فلن يفرق حينها بين فرد أو جماعة او منظمة؟ كما لا يعنيه إن كنت مذنب أو بريء؟ لأن سيوله المنهمرة غضبا وانتقاما ستجرف في طريقها الصالح مع الطالح؟! وستكون نتائج ومالات وعواقب التذاك عليها ومحاولة الدس فيها؟ أمر لم يكن بحسبان الشيطان نفسه عدا عن من قام بهذه الفعلة الشنيعة؟! ولكن حينها لا بنفع القول الا كما قال العرب في المثل الشهير (على نفسها جنت براقش)؟ وكلنا يعلم من هي براقش؟

إن تجار الحقيقة والمتلاعبين بها باتوا أكثر مما كان قبل عقدين من الزمان مضت؟ وذلك نتيجة لما أشرنا له من اختلاق وسائل إعلام بديلة تخدم أهدافهم وتروج لعمالتهم فلا ضوابط أو سقوف تحد من آراء وتكهنات وتفاهات أصحابها من مشخصين الحقيقة ومدعيها كما يروجون لأنفسهم؟! فكيف لهم أن يتلاعبوا ويتاجروا بالحقيقة؟ والجواب على ذلك بكل بساطه أنهم يتعمدون ذكر بعض الحقائق التي تجري من حولك بعناوين واسعة وفضفاضة مع علمهم بأن تلك الحقائق لا تخفى عليك إما لأنها أشبعت ترويجا وتجييش وتداول؟ أو لكونها حقيقة ملموسة على أرض الواقع الذي تعيشه؟ ثم يتلبسون لباس المتمسك بتلك الحقيقة والمدافع عنها والشهيد الحي في سبيلها؟ ومن هنا تبدأ رحلة الحمقى المصدقين لهم ولحقائقهم بالانزلاق والانحدار نحو الهاوية! علما بأن الحقيقة لا تتشرف مطلقا بأن يصدح بها أو يتحدث باسمها من هو عبد لأهوائه وشهواته الشيطانية؟

ولعل السؤال الأهم هنا هل من ضرورات التكليف الإنساني والأخلاقي وحتى الشرعي ما يوجب قول الحقيقة لعوام الناس؟ وهل كل حقيقة يجب أن تقال؟ وكيف تقال؟ ومن المخول بقولها؟ خاصة ان كان من يوردها قد خبأ في باطنها التجييش والتحريض والدعوة الى الصراع والفوضى والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد والمجتمع المترابط؟ لتمزيق لحمته وشق صفه وتشريد أهله وقذف الرعب والخوف في قلوبهم وإيقاع الظلم والمذلة والمهانة بحقهم؟ والمؤسف بالأمر أن كل ذلك يجري تحت عنوان قول الحقيقة؟ فأي حقيقة تلك التي يتصدر مشهدها حفنة ذليلة من العملاء والخونة والمأجورين وأعداء الوطن والإنسانية والجبناء الفارين إلى دول اللجوء والتشرد والانحطاط؟ وأي حقيقة تلك التي تستبيح الدماء وتنتهك الأعراض وتدمر الأوطان وتبيح ممارسة الإجرام والوحشية بأبشع صورها وأشكالها؟ لا أعتقد بأن أحدا على وجه الأرض بحاجة لمثل هذه الحقيقة بل أنه في غنى عنها من الأصل؟

ولو عدنا بالمشهد إلى الوراء قليلا لننظر ما تم ممارسته والترويج له من خلال ما سمي عبثا (الربيع العربي) باعتباره حق وحقيقة وهو ابعد من ذلك بكثير كبعد الأرض عن السماء؟ فالحقيقة التي لا ريب فيها أن ذلك الربيع المزعوم كان الأصح أن يوصم بربيع الدم والفتنة والانجرار وراء الخيانة والعمالة والتآمر المدفوع ثمنا ومقصدا لهدم الأوطان واستباحة الدماء والاعتداء على الممتلكات والأعراض؟ ولعل كل أنسان عاقل قد لا حظ كيف أن هؤلاء الخونة تلاعبوا بالحقائق المدركة والمعلومة للجميع ولكن ضمن أطار فضاءه واسع يمكن من خلاله أن يمرروا ويدسوا في أعماق وتفاصيل تلك الحقيقة كل سمومهم وخبثهم وعدائهم للأهل والوطن معتمدين في ذلك على الكذب والتدليس والخداع والتبرير الأبشع من الفعل ذاته؟

إن ما جرى في سوريا شاهد حي على ما ذكرناه؟ فالأحداث التي وقعت بها وما نتج عنها من دمار وخراب وتشريد واذلال ومهانة للوطن وأهله الآمنين لهو دليل على إجرام ووضاعة ورخص أولئك الجبناء المتلاعبين بالحقيقة والمتاجرين بها؟ وأنظر الى رد الحقيقة على من صدقهم وآمن بحقائقهم الملغومة كيف كان رداً مؤلما ومزلزل ومأساوي دون أن يفرق بحزمه وقسوته بين متلاعب وصادق او عارف وجاهل؟ بل انه أخذ بغضبه “الصالح مع الطالح” كثمن لهذا التلاعب النجس والملعون؟

ولك أن تتساءل اليوم أين أولئك الذين باعوا الأهل والوطن والكرامة والشرف باسم الحقيقة؟ وهم المتاجرين بها مقابل ان يمارسوا عربدتهم وبغيهم من غرف فنادق السفن ستار وعلى اسرتها؟ ولماذا اختفوا عن الأنظار ومن كان ورائهم ويدعمهم؟ وكما أن الأسئلة بهذا الصدد كثيرة؟ كذلك فإن الأمثلة عليها أكثر فإليك ما جرى في (ليبيا وتونس ومصر التي انجاها الله بفضله واليمن ويجري الآن في السودان) حينما كاد لها تجار الحقيقة وجعلوا من أمنها وأرضها وأهلها هدفا لبغيهم وضلالهم بلا أي وجه حق أو حقيقة؟ فالحقيقة الدامغة التي لا مجال لتوريتها هي أن هؤلاء الحفنة النجسة من الخونة ما هم إلا أدوات رخيصة ومستهلكه تستخدم كطعنة غدر ودنائه في خاصرة الوطن، منقادين إلى ذلك بأوامر أسيادهم ومشغليهم من أجهزت المخابرات العالمية او عصابات الجريمة المنظمة التي اعتادت في حال قررت استهداف دولة معينة استخدامهم لهذا الغرض بغية الابتزاز السياسي والاقتصادي أو الضغط على البلد المستهدف لغايات موبوءة ومخططات مشبوهة تهدف الى تدميره وتمزيقه كل ممزق للانقضاض على ثرواته ونهبها والاستيلاء عليها وحرمان أهلها منها؟ وبالنظر الى حال تلك البلدان وما تعانيه اليوم ستجدني لا أبالغ عندما أؤكد على أن هذه هي الحقيقة الصارخة دون أي تلاعب وخداع أو تزييف وتضليل أو إقصاء وتغييب؟

إن من المعروف للقاصي والداني أن المملكة العربية السعودية لا شك مستهدفه أكثر من غيرها طمعا بثرواتها وما يميزها عن بلاد العالم فيكفي أن تكون وجهه لمليار ونصف المليار من المسلمين على وجه الأرض ولذلك تجدهم يستميتون في توجيه سهامهم الخبيثة صوبها من خلال اختلاق الشائعات الكاذبة والتلاعب بالحقائق التي يوردونها ويروجون لها في أي قرار يتخذه قادتها أو مسلك يسلكونه؟ وللأمانة فأنني كلما شعرت بشراسة الهجمات ضد هذه الأرض المباركة .. ومن ثم انطفاءها لتكون حبيسة الظلام دون أن يبذل لذلك جهد يذكر؟ ازداد يقينا بأن الآية الكريمة التي قال الله فيها (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) ٧١ من سورة الأنبياء.
أن المقصود بها أرض الحرمين الشريفين وليست بلاد الشام وأن اجمع العالم على غير ذلك.
ودعونا نذكر مثالا توضيحيا يعزز من ادراكك لطريقة تلاعبهم بالحقيقة خاصة في ظل الظروف التصعيدية التي تشهدها المنطقة والعالم برمته، فلا زالوا اولئك الثلة من الخونة يجيشون ويحشدون ويحرضون على خراب البلاد وقتل العباد عبر المزايدة على المملكة حكومة وشعب في قضية فلسطين وما يتعرض له الفلسطينيين من حرب إبادة وجرائم وحشية يمارسها بحقهم جيش الاحتلال الإسرائيلي،
فقبل رمضان بقليل ركزوا جل اهتمامهم على منع رجال الأمن في مكة المكرمة واحدة من النساء المعتمرات رفعت علم فلسطين داخل الحرم المكي الشريف وهذه حقيقة وقعت بالفعل ولكن الترويج لها ضمن إطار واسع وفضفاض يجعل منها حقيقة مشوهه ولكنها تخدم أهدافهم في التحريض والتجييش والمزايدة على مواقف المملكة مع قضية فلسطين فالحقيقة الأكثر سطوعا وتجلي هي أن المملكة ترفض بأي حال من الأحوال تسييس هذا المكان الطاهر بأي شكل من الأشكال وتحت أي ظرف من الظروف كما أن قوانينها تحضر مثل هذا الفعل مهما كانت المبررات وراء ممارسته أو الإقدام عليه وهذا طبيعي جدا فلكل دولة قوانينها الخاصة بها وبثقافة شعبها فهل يستطيع من روجوا لذلك من الفارين إلى بلاد اللجوء والتشرد أن يرفعوا علم النازية في تلك البلدان؟ والواقع يجيب على هذا السؤال فقوانين تلك الدول تحضر مثل هذا الفعل وتجرمه وتحاسب من يقوم به؟

وحتى لا يأتي من يقول هل تشبه علم فلسطين بعلم النازية؟ أقول له بل أشبه الدول وتمايزها في مسألة تشريع القوانين وسنها بما يتوافق مع ثقافات شعوبها ويلبي احتياجاتهم؟ فالحرية هي حقك بممارسة كل ما يبيحه القانون أينما كنت وفي أي أرض حللت؟ ومخالفتك لقوانين أي دولة تتواجد على أرضها هو دليل على تخلفك وعبوديتك لشهواتك وأهواءك ولا تستحق أن تكون حر حينها؟ فلكي تتمتع بكامل حريتك يجب أن تلتزم بالقوانين إن كانت تعجبك أو العكس فهو أمر لا يعنيك وليس من شؤونك أصلاً؟ وهذا مثل بسيط يكشف لك طريقتهم بالتلاعب في الحقائق والدس بها ومن شهد النهاية المأساوية لبعض الدول التي اجتاحها ربيع الدم والخيانة لا يتمنا مطلقا حتى في كوابيسه أن يحدث له ذلك او لأهله او لوطنه مهما كان الثمن للحيلولة دونه؟ ولأن من الأهمية بمكان كشف أمثال هؤلاء وفضحهم والتحذير من الانجرار خلفهم والانسياق وراء أكاذيبهم وتأمرهم! والأخذ بحقائقهم الزائفة والمستنكرة وإن ثبت أنها حقيقة؟ لأن قصدهم الخراب والفساد لا أكثر ولا أقل فلا تعنيهم الحقيقة ولا يعنيهم أن يكونوا وكلاء حصريين لها؟ فالحقيقة تكمن فيما أسلفناه بداية مقالنا ونعود لنكرره تأكيداً عليه وتشديدا على الأخذ بموجبه وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حرم الله أو منع بالقانون؟ كذلك فإن الأصل في الدماء الحرمة إلا ما أحل الله منها أو ما كان تحت طائلة القانون.

ونختم مقالنا هذا طالبين الرحمة والمغفرة لرسام الكاريكاتير الفلسطيني (ناجي العلي) الذي تميز بالنقد اللاذع حيث سجلت باسمه المقولة الشهيرة التي تنبأ بها عندما قال (أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهت نظر؟). وصدق والله بنبوءته فها قد أصبح اليوم فعل الخيانة بابا من أبواب الحرية في تبني وجهات النظر كما يدعون؟ وأتساءل لو كان حيا كيف كان سيرسم هذا المشهد السريالي ويترجمه بمشهد كاريكاتيري يخطه على أوراقه؟ لعل الأمر غاية في التعقيد والصعوبة؟ فهل جاءك نبأ حقيقة (فضيحة بجلاجل) كما يقول الأخوة في مصر العزيزة؟

وإننا إذ ندعو الجميع لأخذ العبرة والاستفادة منها فإننا ندعوهم أيضاً إلى أن يتعلموا بأن التطلع إلى المستقبل الزاهر والمشرق لا بد أن يكون من خلال قراءة معمقه للتاريخ الذي كان حريصا على أن يورد لنا ضمن صفحاته حقائق عن الكثير من البلاد التي كانت أمنه ومطمئنة يأتيها رزقها من كل مكان حتى أجتاحها وباء التلاعب بالحقائق ودس السم بالعسل في مضمونها فأصبحت أثرا بعد عين.؟

فهل من مدكر؟

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button