نجوم متلألئة في سمائنا

الكاتبة وداد بخيت الجهني
“دخلتْ امرأةُ من الأنصارِ على السيدة عائشة (رضي الله عنها) في حادثِة الأفكِ فبكت معها كثيراً دون أن تنطق بكلمة واحدة فقالت :السيدة عائشة رضي الله عنها “لا أنساهَا لها”.
“وعندما تابَ الله على كعب بن مالك – رضي الله عنه – بعدما تخلفّ عن معركة تبوك دخل المسجد مستبشراً فقام طلحة رضي الله عنه يُهرّول، و احتضنه قال: “لا أنساها لطلحة َ . “
استوقفتني تلك المواقفُ كثيراً، فتجلت أمامي حقيقةً لايختلف عليها اثنان، وهى أن المواقف مرآة الحقيقة وهي وحدها الأصدق، والأوضح،هي التي تكشف خبايا المشاعر، والجانب المظلم فيها، فموقف وأحد يُغني عن الآف الكلمات .
ومع طوفان الآلام ، و كؤوس العذبات القاتلة، وعواصف الحياة وأعاصيرها ، التي أجتاحت أسوار النفس، يبقى هناك أشخاص لايمكن أن ننساهم أونتناساهم لأنه يبقى منهم أثر عميقُ عالقُ بنا، وبحياتنا ، أشخاص لايمكن أن تنشئهم القرابَة، ولا الصدفة، ولا الأيام، بل تلدهم المواقفَ الصعبةَ .
فمعظم المخلصون، والصادقون، هم أبطالُ الأيامَ العصيبة؛ الذين انتشلونا ونحن نهيم في ظلامها، ونتخبط في دياجيرها المعتمة ونتلوى من لسعها، ونئن من حرقها، فعندما صغرتْ السماء في أعيننا، وأظلم النهارُ المنيرُ، وصار قاتماً في أبصارنا، وسُلبت طاقتنا كلياً، وأصبح لاطاقة لنا على الاحتمال، و قلوبنا مضطربة، و أرواحنا ذابلة، وغدا صبرنا على شفا جرف؛ اسكنوا البراكيَن الهائجةَ داخلنا، وركبوا معنا الموج، وساروا بنا نحو أفق الأمل،وحلقوا بنا إلى أعماق مجرات التفاؤل .
جففوا ينابيع دموعنا واخضعوها أرضاً، في قبال ابتسامتنا، وانبتوا لنا من الهم حديقة أزهرت وروداً من السعادة،انقذونا من تجاذبات الحياة الخطرة، والدّوامات التي يكون السقوط فيها مهولاً، سقونا أنهاراً من الوفاء، وحملونا من أيام الشمس إلى ليال القمر، فكانوا النافذة التي رأينا من خلالها الجانب المشرقُ في حياتنا، والنجوم المتلألئة التي أضاءت سمائنا، فأسعدت دنيانا.
“فحضن الأحبة يصنعُ الكثير،” لم يدغدغوا مشاعرنا بالكلام المنمقِ، أو الوعود المغريةِ الكاذبةِ، بل كانوا أصحاب الصدق ، والمصداقية، لذلك هم فقط من يستحقون أن يبقوا في قلوبنا إلى الأبد، هم فقط من نبتسم عندما يزورنا طيفهم فندعوا لهم دعوة صادقة من قلوبنا ؛ فمواقف جبُر الخاطرِ وقت الانكسار لا تُنسى لا تُنسى.