بين العزلة والظهور

بقلم / معلا السلمي
تحيّرني الرغبتان المتناقضتان لدى الإنسان، رغبته في الاختفاء ورغبته في أن يراه الجميع. هذه المفارقة تكشف عن أزمة داخلية يعيشها الكثيرون، حيث تتأرجح النفس بين حاجتها إلى العزلة والسكينة، وبين توقها لأن تكون مرئية، معترفًا بها، مؤثرة في حياة الآخرين.
ويقودني أيضًا إلى بيت الشاعر خالد مبارك عندما قال:
(إن رحت مالي سنع وإن جيت مالي لزوم
يا ليت قلبي يعلمني وش اللي يبيه)
كم مرة وجدنا أنفسنا عالقين بين هاتين الحالتين؟ نرغب في الهروب من الأضواء، وفي الوقت ذاته نبحث عن التقدير والاهتمام. نخشى أن نكون منسيين، لكننا في ذات الوقت نهاب الانكشاف الكامل أمام الآخرين.
هذا الصراع ليس سطحيًا، بل هو جزء من تكوين الإنسان النفسي والاجتماعي. فنحن مخلوقات اجتماعية بطبيعتنا، نحتاج إلى التواصل والشعور بأننا جزء من شيء أكبر، ولكن في الوقت نفسه، نحتاج إلى المساحة الخاصة التي تتيح لنا التفكير، الاسترخاء، وحتى الاختفاء مؤقتًا من ضغوط الحياة.
ربما يعود هذا التناقض إلى خوفنا العميق من الأحكام، وإلى حاجتنا للخصوصية، وفي الوقت نفسه تعطشنا للحب والقبول. نريد أن نكون مجهولين حين يثقلنا العالم، ونريد أن نكون بارزين حين نشعر أننا بلا قيمة.
نجد هذه الظاهرة تتجلى في حياتنا اليومية، في عصر السوشيال ميديا مثلًا، حيث يميل البعض إلى مشاركة كل تفاصيل حياتهم، بحثًا عن الاهتمام، بينما يختار آخرون الانسحاب تمامًا، حفاظًا على هدوئهم. هناك من يحذف حساباته لفترة، ثم يعود بحماس أكبر، وكأنه لم يتحمل الغياب طويلًا.
إنها طبيعة الإنسان، متناقضة كما الحياة نفسها، تبحث عن الاتزان بين الظهور والتواري، بين الاحتياج والاستغناء، بين العزلة والمشاركة. لكن السؤال الذي يبقى دون إجابة واضحة: متى يجد القلب ما يريده حقًا؟ هل هناك نقطة توازن مثالية، أم أننا محكومون بالتأرجح بين النقيضين إلى الأبد؟
المقال برعاية شالية (راما جدة)