بعض التواريخ… شعورها يبقى عمرًا

بقلم/هدى الحربي.
هناك تواريخ لا تمضي، بل تسكننا عمرًا، تضيء في ذاكرتنا كلما مررنا بها، تمامًا كما يفعل الرابع من شعبان، حيث نقشتُ إنجازي في سجل الحياة.

في هذا اليوم، أستعيد لذة الإنجاز، ذلك الإنجاز الذي أنساني ذكريات الرياض، بحلوها ومرّها، ولم يبقَ منه سوى ثمرة النجاح التي غمرت قلبي بالسعادة. نسيت عناء السفر، وألم الغربة، ودموع الحزن والمعاناة، ولم تبقَ إلا دموع الفرح. رغم ذلك، كنت أشتاق للمدينة كشوق الأرض للمطر، أحنّ إلى شوارعها، وأجوائها، وكل زاوية فيها تحمل ذكرى دافئة. شكرت ربي الذي منحني القوة والصبر، وشكرت والديّ على دعمهما وموافقتهما على دراستي خارج المدينة، رغم مشقة هذا القرار والمغامرة التي خضتها.

لم تكن الحياة في السكن الجامعي أقل قسوة، فقد كانت مليئة بالتحديات التي صنعت مني شخصًا أقوى. تعاملت مع مختلف الشخصيات، واكتسبت رفقة طيبة وخلوقة، واعتمدت على نفسي في كل تفاصيل حياتي، ولم يكن كفّ البصر عائقًا أمامي. تعلمت كيف أكون مستقلة، وكيف أواجه مصاعب الغربة بثبات.

ومع ذلك، كل هذه التحديات تلاشت في لحظة المناقشة، عندما مُنحت درجة الماجستير. شعرت حينها أن كل ما مررت به لم يكن سوى طريق نحو هذا الإنجاز. تلعثمت حروفي، وعجزت عن التعبير عن امتناني لكل من وقف بجانبي، أسرتي، أساتذتي، وصديقاتي. لكن وسط الفرحة، كانت هناك ذكرى موجعة تسكن قلبي، ذكرى لا تنضب، فقدت صديقتي قبل مناقشة الرسالة بأشهر، ورحيلها ترك فراغًا لا يُملأ. وددت لو أنها كانت معي في تلك اللحظة، تشاركني الفرح كما كانت تشاركني الأيام الصعبة.

كل صفحة في الرسالة تذكرني بحدث معين، فبين سطورها مواقف مؤلمة، ولحظات صعبة، وضحكات امتزجت بالدموع. لم تكن مجرد أوراق، بل محطات من الصبر والتحدي، تحكي قصة كفاحٍ عشته بكل تفاصيله، حتى أصبحت هذه الصفحات شاهدةً على رحلة لا تُنسى.

اليوم، حين أعود بذاكرتي إلى ذلك اليوم، أشعر بالفخر والامتنان، وأدرك أن لكل إنجاز قصة، ولكل نجاح طريقًا مليئًا بالعقبات، لكن طعمه في النهاية يستحق كل لحظة تعب.

اللهم اجعل علمي نورًا لي، وعملي شاهدًا لي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى