تتوالى الأيام

روز الايداء
وتتوالى الأيام كأنها حبات المطر التي تهطل بصمت في ليلة شتاء باردة، تتسلل إلى قلوبنا المثقلة بالحزن، وتلمس أرواحنا المرهقة. تسير بنا السنين وتأخذ منا لحظات ودقات، تسرق منا ضحكات وأحلامًا، وتحملنا في تيارها نحو مستقبل غامض، حيث تشتعل الأشواق للذكريات، وتزداد الحسرة على ماضٍ تلاشى في أعماق الزمن.
كل قطرة مطر تهمس لنا بحكاية، قد تكون قصة أمل تلاشى أو لحظة دفء رحلت بلا عودة. تلامس وجوهنا تلك القطرات كأنها تمسح عنّا غبار الهموم وتعيد إلينا بريق الذكريات، تذكرنا بضحكات وأصوات، بعناقٍ دافئ رغم صقيع اللحظة. فكم في داخلنا من حنين يشبه تلك القطرات، حنين يرفض أن يموت، يظل ينبض رغم ما تهزه الأيام من قسوة.
ونحن، بقلوبنا المكسورة وأرواحنا المنهكة، نسير في دروب الحياة وقد تاهت منا معاني الأمل، وقد فقدنا الثقة بوجود النور بعد العتمة. يأتينا الألم كرياحٍ عاتية لا تهدأ، ونتلقى ضربات الحياة تلو الضربات حتى تُرهقنا، فيضيق بنا الكون، وتخنقنا الأفكار، وتتحول الحياة إلى مرآة تعكس أوجاعنا وذنبنا حتى ننكسر.
لكن الله لا ينسى عباده، وها هو الفرج يأتي حين نظن أنه لا سبيل. تتجلى رحمته كالشمس التي تتسلل بين الغيوم الداكنة بعد ليلة عاصفة. يأتي الفرج ليعيد لنا الإيمان، ليخبرنا أن تلك القطرات الباردة، كانت رحيق الأمل المخبوء في قاع الألم، وأن ذلك الحزن كان بداية لطفٍ عظيم.
يعلّمنا المطر أن نروي أرواحنا بالصبر، أن نؤمن بأن في داخل كل ألم حكمة، وأن كل جرح يقربنا من الله أكثر. ومع كل صباح جديد، يحمل معه دفء الشمس وضوء الأمل، نشعر بقوة تملأ قلوبنا من جديد، قوة تدفعنا لنبني من أوجاعنا جناحًا يعلو بنا نحو حياة أجمل، حياة فيها رجاء، فيها نور الله الذي لا ينطفئ، وبركته التي لا تنقطع.