نقطة تحول

بقلم الكاتبة :نجاح لافي الشمري
الحدود الشمالية – رفحاء…
في حياة كل إنسان لحظة فارقة، تقف بين ماضٍ مضى ومستقبلٍ مجهول، تُعرف بـ “نقطة التحول”. قد تكون كلمة قيلت، موقفًا صعبًا، قرارًا جريئًا، أو حتى خسارة مؤلمة. لكنها دائمًا ما تترك أثرًا لا يُمحى، وتفتح الباب لتغيير عميق، يبدأ في داخلنا قبل أن ينعكس على العالم من حولنا.
بالنسبة للبعض، قد تكون نقطة التحول تجربة فشلٍ قاسية دفعتهم لإعادة التفكير في طريقهم، وبالنسبة لآخرين، ربما كانت لحظة إلهام فجّرت طاقات خفية لم يكونوا يعلمون بوجودها. هناك من يجدها في المرض، أو الغربة، أو خيانة غير متوقعة، بينما يكتشفها آخرون في نجاح بسيط جدّد فيهم الأمل.
ما يميّز نقطة التحول أنها لا تأتي معلنة، بل تتسلل إلينا بهدوء، وتختبر قدرتنا على التحمّل والتغيير. وهي لا تعني بالضرورة النهاية، بل غالبًا ما تكون بداية حقيقية لحياة أكثر نضجًا ووعيًا.
في المجتمعات الديمقراطية، تؤمن بأن الفرد هو صاحب القرار، وهو من يحدد متى ينهض، ومتى يغيّر، ومتى يقول: كفى. إن احترامنا لاختيارات بعضنا البعض، حتى إن اختلفنا معها، هو أساس التعايش والحرية. التحول الحقيقي يبدأ من الإيمان بأن التغيير حق، وأن لكل إنسان توقيته وظروفه ومسيرته الخاصة.
بعد نقطة التحول، يبدأ الشخص في إعادة النظر في هويته، قيمه، وأولوياته. ربما كان يسير في طريق لا يشبهه، وهذه اللحظة تكون بمثابة “إعادة تشغيل” للذات. نضج فكري وعاطفي يعيش الشخص نوعًا من النمو الداخلي. يفهم الحياة بشكل أعمق، ويتعامل مع مشاعره ونظرته للآخرين بنضج أكبر.
وكثيرًا ما تكون نقطة التحول مرتبطة بقرار شجاع، وهذا يخلق وعيًا عميقًا بالمسؤولية عن الحياة الشخصية، دون إلقاء اللوم على الظروف أو الآخرين.
تحرير من الماضي نقطة التحول الشخص من قيد تجربة سابقة، علاقة سامة، فشل، أو حتى نمط تفكير محدود. فيبدأ بالنظر للمستقبل دون أن يكون أسيرًا لما مضى
تدفعه لبناء عادات جديدة، اتخاذ قرارات جريئة، أو خوض تجارب لم يكن يجرؤ عليها من قبل. تصبح نقطة انطلاق نحو تحسين الذات والحياة.
من يمر بتحول حقيقي يصبح غالبًا أكثر تفهمًا للناس وأكثر تقديرًا لصراعاتهم واختياراتهم، لأنه جرّب بنفسه معنى التغيير وعندما يرى الشخص أثر قراراته الجديدة، يبدأ يشعر بالقوة، ويثق في قدرته على مواجهة الحياة، حتى إن بقيت التحديات.
نقطة التحول ليست نهاية مرحلة فقط، بل هي بداية جديدة، وغالبًا ما تكون أكثر اتساقًا مع الذات وأكثر وعيًا بالحياة.
أنا شخصيًا أؤمن أن أجمل ما في الحياة هو أننا نملك القدرة على التحوّل. لا أحد محكوم بالبقاء حيث هو. يمكن لكل منا أن يغيّر طريقه، أن يعيد تعريف نفسه، وأن يبدأ من جديد. ولكن الأمر يتطلب شجاعة: شجاعة مواجهة الذات، والتخلي عن الراحة المؤقتة، والسير نحو المجهول بثقة.
نقطة التحول” ليست لحظة ضعف، بل لحظة صدق مع النفس. لحظة ندرك فيها أن ما كنا عليه لا يكفي لما نريد أن نكونه.