الصديق الأصيل في زمن المصالح… كنز لا يُقدَّر بثمن

 

بقلم: د. عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان

عالمٌ تتقلب فيه الأحوال، وتتداخل فيه المصالح، وتُوزَن فيه كثيرٌ من العلاقات الإنسانية بميزان المنفعة والجدوى، يظل وجودُ الصديق الأصيل نعمةً عظمى لا تُدانيها نعمة، وكنزًا لا يُشترى بالمال، ولا يُعوَّض إذا فُقد. فالصديق الأصيل مرآةُ روحك؛ يعرفك على حقيقتك، يفرح لفرحك ويواسيك في حزنك، يقف إلى جانبك في قوتك وضعفك، ويثبت على وُدّه، لا تهزمه تقلُّباتُ الأيام ولا تُقصيه عواصفُ الظروف.

وقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة الصداقة وميزانها، فقال سبحانه وتعالى: ﴿الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: 67]. فالصحبة التي تُبنى على تقوى الله تعالى تبقى وتُثمر، أمّا التي تُشيَّد على المصلحة فتزول بزوالها. وجاء في الحديث الشريف قولُ النبي ﷺ: «المرءُ على دينِ خليله، فلينظر أحدُكم من يُخالِل»؛ لتتضح خطورةُ اختيار الصديق، فهو ليس مجرد رفيق، بل طريقٌ يؤثر في الدين والدنيا، وقد يقود إلى الجنة أو يُجرّ إلى النار.

ولم يزل الشعراءُ والحُكماءُ يُعبّرون عن قيمة الصداقة الأصيلة في أجمل أقوالهم، فقال أحدهم:

جزى اللهُ الشدائدَ كلَّ خيرٍ

عرفتُ بها صديقي من عدوّي

فالشدائدُ كاشفةٌ للنفوس، تُظهر صدق الوفاء من زيف التلوُّن، وتُبرز الأصيلَ من المتحوِّل. الصديق الأصيل يظلّ حاضرًا كالظلّ لا يفارقك مهما اشتدّت حرارةُ الحياة، وكاليد الحانية تمتدّ إليك في لحظة ضعفك، وكالكلمة الصادقة تغرس الطمأنينة في قلبك من غير استدعاء ولا منّة.

وفي زمنٍ ازدحمت فيه القوائم الافتراضية على منصّات التواصل، يظل الصديق الأصيل مختلفًا؛ إذ لا يُقاس بعدد الرسائل ولا بعدد الإعجابات، بل بصدق حضوره عند العُسر. فهو يجمع بين أصالة الماضي وصدق الحاضر، ويُثبت أن الصداقة الحقّة ليست ذكرى تُروى، بل واقعٌ يُعاش، يُعيد للإنسان يقينه بأن الوفاء قيمة لا تموت.

الصديق الأصيل لا يُثقل قلبك بجميل، ولا يُحصي عليك أياديه؛ بل يُعطيك كأنّه هو المستفيدُ من عطائه. يساندك في الخفاء قبل العلن، ويثبت حين يغيب الكثيرون. ووجوده في حياتك يخفّف عنك أعباءَ الطريق، ويُقوّي عزيمتك عند العثرة، ويُعيد ترتيب نبضك كلّما اضطربت خطواتك.

الصديق الأصيل سندُ الروح وملاذُ القلب؛ جوهرةٌ نادرة لا تُقدَّر بثمن. ومن وُفِّق لصحبته فقد أُعطي نعمةً عظمى تستحقُّ الشكرَ والوفاء، والحفاظَ الذي يليق بها.

هذا المقال اجتهادٌ شخصيّ، فإن أصبتُ فمن اللهِ سبحانه وتعالى ربِّ العالمين، وله الحمدُ والرِّضا، وإن أخطأتُ فأسألُ اللهَ سبحانه وتعالى العفو. وأسعدُ بأيّ ملحوظات على البريد الإلكتروني: [email protected].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com