على مسرح الدنيا .. المشهد الخامس

بقلم ؛هيا عبد الجبار

على خشبة مسرح الدنيا ارتفع الستار، وإذا بالبشر يتقاتلون لأول مرة في منتصف العصر الحجري. كانت الأرض مذهولة تنظر إلى أولادها، يتساقطون واحدًا تلو الآخر، دماؤهم تصبغ الحجارة، وصراخهم يعلو في الفضاء. ومنذ تلك اللحظة لم يُطوَ الستار؛ توالت الحروب والصراعات حتى يومنا هذا.

الأسباب؟ لم تتغير: أرض يتنازعون عليها، سلطة يتشبثون بها، مال يذبحون من أجله، وأحقاد تتوارثها الأجيال. من حرب البسوس التي أوقدتها عجوز بخبثها، إلى داحس والغبراء بسبب سباق فرس وحصان، إلى الحربين العالميتين وما خلفتاه من موت وجوع ووباء… كلها مشاهد على نفس المسرح.

في زاوية المشهد، انحنت الأرض وقالت بصوت متهدج: «يا بشر ..لقد امتلأ جوفي بجثثكم، لم أعد أطيق الموت، فارحموني». لكنهم لم يسمعوا، بل واصلوا التصفيق لدمائهم المتدفقة.

فجأة اهتز المسرح تحت أقدامهم، تصدعت الأرض وابتلعت بعضهم. هبت ريح عاتية قلبت الخيام والقصور، وأمرت السماء سحبها فهطلت سيول جرفت الطغيان وأطفأت نيرانهم. ارتسمت على المسرح أرض خضراء جديدة، ظاهرها حياة، لكن خلف الستار كان الظلام: أرواح تتعذب وتصرخ، لا نسمعها، ولا نشعر بها، ومن رحمة الله بنا أننا لا ندرك تلك الصيحات.ولو أدركها الإنسان لكفاه أن يقنع بعيشٍ على قطرة ماء يبلّ بها ريقه، ولعاش زاهدًا عابدًا لله شكورًا.

وها هو الإنسان، يركض على المسرح وراء قطعة صغيرة من التراب، وكأنه يستعد لقبره. يقاتل من أجل الأرض التي خُلق منها وسيعود إليها.

وفي الكواليس، يقف إبليس ويطلق ضحكاته العالية الماكرة، يحرك الخيوط بين أصابعه. الدمى البشرية تتراقص على أوامره: هنا قبائل وألسنة وألوان تتناحر، هناك طغاة وجبابرة يسقطون، وآخرون يبيعون أنفسهم للفاحشة والسحر والشعوذة. الشياطين تصفق، السماء تغضب، والأرض تحترق.

الإنسان الذي نسي ربه صار خاتمًا في إصبع الشيطان، يحركه كيف يشاء: إلى الشرك، وإلى عبادة الأصنام، وإلى الذبح لغير الله، وإلى المخدرات والخمر والفواحش، وإلى السحر ونبش القبور. مشهد عبودية مُذل، يبوء فيه بغضب من الله.
أليس الشيطان عدوًّا لله وملائكته ورسله وبني آدم، وزعيمًا للباطل والكفر والرذيلة؟

قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم﴾

*** إلى اللقاء في المشهد القادم ***

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com