الصحة النفسية للأيتام ذوي الظروف الخاصة… مفاتيح الحياة الكريمة

بقلم: د. وسيلة محمود الحلبي*
إن أعظم ما يمكن أن نقدّمه لليتيم ليس مجرد مأوى أو طعام أو ملبس، بل حضنٌ دافئ واهتمام صادق بصحته النفسية، فهي الركيزة الأولى لبناء إنسانٍ متوازنٍ قادرٍ على مواجهة الحياة.
فاليُتم ليس فقط فقدان أبٍ أو أم، بل هو فقدان للأمان، والحنان، والاستقرار النفسي، وهي عناصر تُشكّل أساس الشخصية السليمة. من هنا، تأتي أهمية العناية بالصحة النفسية للأيتام ذوي الظروف الخاصة بوصفها ضرورة إنسانية قبل أن تكون مسؤولية اجتماعية.

فاليتيم يعيش صراعًا داخليًا لا يُرى بالعين، بين حرمانٍ وشوقٍ، وبين خوفٍ من المستقبل وحاجةٍ ملحّة إلى القبول والانتماء. وقد تُخلف تلك المشاعر جروحًا عميقة إن لم تجد من يضمّدها بحبٍّ ورعايةٍ وفهم.
ولذلك فإنّ الاهتمام بالجانب النفسي لليتيم لا يقل أهمية عن توفير الاحتياجات المادية؛ فالعقل الحزين لا يتعلّم، والنفس المرهقة لا تُبدع.

ولعلّ أولى خطوات العلاج تبدأ بالفهم العميق لمشاعر اليتيم؛ أن نصغي إليه لا بأذنٍ فقط، بل بقلبٍ يحتضن آلامه. فالكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة، والاحتواء العاطفي قادرة على إعادة بناء الثقة التي هدمها الفقد.
كما أن وجود برامج دعم نفسي متخصصة داخل مؤسسات الرعاية – تقدمها كوادر مؤهلة – يُعدّ من أهم الحلول، حيث تعمل على كشف الاضطرابات مبكرًا، وتوجيه الطفل نحو التكيف الإيجابي مع ذاته ومجتمعه.

ولا يمكن إغفال دور التمكين النفسي والاجتماعي للأيتام من خلال إشراكهم في الأنشطة المجتمعية، وتنمية مهاراتهم، وبناء شعور بالإنجاز والقدرة على العطاء. حين يشعر اليتيم أنه مؤثر في محيطه، تتبدّل نظرته للحياة من “ضحية” إلى “قادر”.

كما أن وجود الأسرة الحاضنة المحبة والمستقرة هو العلاج الأجمل والأكثر عمقًا، فهي تمنح اليتيم المعنى الذي افتقده، وتزرع فيه بذور الطمأنينة والكرامة.
ففي دفء الأسرة تزول العزلة، وفي الحنان تُشفى الجراح، وفي الاحتواء تتفتح روح اليتيم على الأمل.

وفي النهاية، تبقى الصحة النفسية للأيتام مسؤولية مشتركة، تبدأ من المؤسسات والجمعيات، وتمتد إلى المجتمع والأسرة والإعلام، فكل كلمة تشجيع، وكل موقف رحيم، وكل مبادرة دعم نفسي هي لبنة في بناء إنسانٍ سويٍّ سعيدٍ قادرٍ على المضيّ بثقة نحو المستقبل.

ولعلّ أجمل ما يمكن أن نفعله هو أن نُعيد لليتيم ابتسامته… فابتسامة اليتيم حياة، وصحته النفسية هي الأمل الذي نزرعه لنحصد غدًا أكثر إشراقًا وإنسانية.

*سفيرة الإعلام العربي
* مستشار إعلامي
* مسؤولة الإعلام والنشر بجمعية كيان للأيتام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com