أنا كما أريد، لا كما تظنون

 

هيا الدوسري

الناس لاتعلم ..

قد يراك الناس لا تشكو من تعب، ولا تطرق أبواب المستشفيات، فيظنون أنك بخير، وما علموا أنك لا تجيد الشكوى، ولا تُظهر ما يُتعبك.

وسيدتي… قد يرونك تهتمين بمظهرك وجمالك وأنتِ بلا شريك في الحياة، فيسيئون الظن، غير مدركين أن الله جميلٌ يحب الجمال، وأن بعض النفوس تشتاق للجمال حتى وإن لم يرها أحد سوى مرآتها .

وقد ينتقدك البعض لأنك تلتقطين الصور لنفسك،

فيظنون أن ذلك استعراضٌ لجذب الأنظار، أو بحثٌ عن إعجاب الآخرين،

لكنهم لا يعلمون أن التصوير بالنسبة لك هوايةٌ خالصة،

تجدين فيها تنفيسًا لروحك، وشعورًا بوجودٍ يحيطك ولو كان افتراضيًا.

وأنك حين توثّقين لحظاتك بعدستك، إنما تعوّضين وحدتك بوجود مجتمعٍ رقميّ يشاركك الحياة من بعيد.

قد يلاحظون صمتك، فيظنون أنك منشغلٌ بحبٍّ خفيّ،

وقد يرونك تبتسم وأنت تكتب رسالة، فيفسّرون ذلك بأوهامٍ من صنعهم،

وربما يلحظون أنك تحب تناول قهوتك خارج المنزل، من باب التغيير وكسر الروتين،

فيعتقدون أنك على موعدٍ مع أحدهم!

وما علموا أن كل ذلك مجرد تفاصيل صغيرة تمنحك سلامًا داخليًا،

وأن الهدوء لا يعني الحب، والابتسامة لا تعني اللقاء،

وأن القهوة قد تكون جلسة صدقٍ مع النفس لا أكثر.

قد تكتبين خاطرةً أو قصة،

ويظنون أنها تعبر عنك شخصيًا،

فيشعر قلبك وكأنك محاصَرة في سجن من الأوهام والظنون،

وأن كل كلمة خرجت لتتحرر بها.. أصبحت مراقبة ومحط تفسير من قبل الآخرين.

وقد يتعجّب البعض من حرصك على صحتك في عافيتك، ومن إنفاقك الغالي لتحافظي على عافيتك، فيظنون أنك تستعدين لحياةٍ جديدة أو حبٍ قادم، وما علموا أن عقلك هو من يُنذرك بألا تُهملي نفسك، فليس ثمة من ينفعك إن أصابك الوهن.

وربما يراك البعض تكثرين الخروج من المنزل، فينسجون الظنون، وهم لا يعلمون أن أمرًا طارئًا استجدّ، وأنك لم تخرجي إلا لضرورة، ولستِ مضطرة لتبرير شيء لأحد.

وقد يفتقدك المقرّبون، يقلّ صوت بابك، وتغيبين عن مجالسهم، فيظنون أنك ابتعدت عنهم و في قلبك شيء ما، ثم يكتشفون أنك بخير، فقط آثرتِ العزلة لتنجزي ما تراكم عليك من أعمال.

وعندما تسافرين، يظنون أنك تبحثين عن هوى في الغربة، أو تنوين الهجرة، فيسيئون الظنّ مجددًا.

وما علموا أن روحك هي من طلبت السفر، لتتجدّد بعيدًا عن الروتين، ولتستنشق طاقة الحياة من جديد.

إنهم يُنكرون عليك ما يُحلّونه لأنفسهم، ويتناسون أنك بشرٌ مثلهم، لك مشاعر، ولك قلبٌ يملّ ويشتاق ويحتاج إلى فسحةٍ من التعب.

وقد ينتقدونك لأنك لا تخبرهم بأهدافك ولا بأعمالك،

ويظنون أنك إنسانٌ غامض، تُخفي عنهم أمرًا ما،

لكنهم لا يعلمون أنك أدركت مكانتك في قلوبهم،

وأنك بالنسبة لهم مجرّد واجبٍ يؤدَّى، لا حبٍّ يُمنح

وسيتعبون في مطاردة ظلك، والبحث في سجلك، والدوران حولك، والتكهّن بمستقبلك، ثم ينتهي بهم المطاف إلى الاستسلام الكلي.

فالناس لا تعلم…

أن في الصمت حياة، وفي العزلة راحة، وفي السفر شفاء، وفي الاهتمام بالنفس عبادةٌ لا يراها إلا الله

فتشعر أحيانًا أنك أسير… وأسيرٌ لمن؟

إنهم أولئك المرضى الذين ابتلاهم الله بمراقبة الناس، وابتلاك الله بهم.

 

٩ / أكتوبر٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com