الثقة: شرفٌ لا يجرؤ الخائن على حمله… ولا يقوى الضعيف على حفظه

فاطمة إبراهيم البلوي
الثقة ..
ليست كلمة تُقال وتُنسى..
وليست شعورًا عابرًا يزور القلب ثم يرحل..
الثقة ..
بناءٌ يُشيَّد ببطء..
على الصدق..
والاحترام،..
والأمانة…
ومن يستهين بها لا يستحقّ أن يطرق بابها أصلًا..
أن تمنح أحدهم ثقتك
يعني أنك سلّمته قلبك مكشوفًا..
ومنحته فرصة ليكون سندًا لا خنجرًا..
قلت له دون كلام..
ها أنا… فلا تخذلني..
لكنّ المؤلم أن يتحوّل هذا العطاء العظيم
إلى ملعب لعب..
ومساحة للتمادي..
وطريقٍ يسير فيه من لا يعرف قيمة النفس التي احترمته..
كثيرون ظنّوا أن النقاء يُقابَل بالنقاء..
وأن حسن الظنّ يُردّ بحسن فعل..
لكن الواقع قاسٍ…
بعض البشر..
لا يدركون قيمة ما يُمنح لهم..
ولا يعرفون معنى الشرف حين توضع الثقة بين أيديهم..
عندهم الثقة لحظة…
أما حفظها؟
فليس في قاموسهم..
احترام الثقة
ليس أن لا تخون فقط..
بل ألا تجرح..
ألا تكسر..
ألا تتلوّن وتتمايل حسب الهوى والمصلحة..
أن تكون ثابتًا…
واضحًا…
صادقًا…
لا تهدم ما بُني لمجرّد أن مزاجك تغيّر..
النفوس العظيمة وحدها تعرف
أن الثقة مسؤولية…
وأن خيانتها سقوط لا ينهض منه صاحبه مهما اعتذر…
فجُرح الثقة لا يُمحى…
ولا يُدفن…
وإن لُصِق..
بقي أثره شاهدًا على ما حدث..
الثقة بلورٌ نقيّ…
جميل…
لكنّه هشّ..
انكساره لا يعيده جديدًا..
والقلب الذي يُكسَر..
وإن سامح لا ينسى…
ومع ذلك تبقى الثقة أعظم ما يُمنَح..
لأن النفوس الكريمة لا تتعلّم البخل
ولا تعرف المحبة المشروطة..
تعطي لأنها خُلِقت لتعطي..
وتحفظ لأنها تعرف أن الله يحفظ من يصون..
وفي النهاية…
الثقة لا تبحث عن الكثير…
بل عن القلّة النادرة التي تفهم قيمتها..
هي أغلى ما يُعطى..
وأشدّ ما يُؤلم ..
حين يُساء استخدامه..
ولا يوفَّق لحملها إلا من كانت نفسه نظيفة لا تخون…
حتى لو ضاق به الطريق..
فكونوا على قدرها…
أو لا تقتربوا منها



