قراءة في قصيدة “لُمي شراعكِ” لشاعر الأمة محمد ثابت ٠
هدى ميقاتي : شاعر الأمة محمد ثابت يكتب أرق المشاعر، وأحر الزفرات

بقلم الشاعرة اللبنانية العربية الكبيرة/ هدى ميقاتي
حين ينزف القلب غرامه وتموت الأشواق في صدر الحنين، تصمت الشفاه، وتـُحيي كؤوس الشعر ذكرى الليالي العاشقات؛ تذرف العيون دموع أحلامها السليبة، وتنطلق الآهات الجريحة بين الأبيات لتسطر أرق المشاعر، وأحر الزفرات، وأوجعها وقعاً في النفس والروح.
قصيدة الصديق الشاعر الملهَم محمد ثابت تحمل في طياتها مأساة شعورية عميقة الأثر في وجدانه، لم يكن فيها الألم غيمة عابرة بل كان جرحاً سحيقاً في وجدانه متجذراً في كيانه.
كنت أفتش أثناء قراءتي لها عن القلم الذي خط أحرفها والحبر الذي أظهرها، فوجدت بين يدي قطعة حية يشتعل فيها الصدق وتسيل رقة مازجتها الثورة دفاعا عن قلب جريح وكرامة ذبيحة.
وهو وإن افتتح قصيدته بقرار مصيري، رافضاً الإستمرار برحلة الضياع والخداع ٦ سفينة حب مترنحة تقذفها أمواج الشك يمينا وشمالا فيقول:
لمي شراعك من سفيني/
ولترحلي لا تخدعيني
إلا أن ثورته لا تخفي ما بداخله من انكسار، ومن شعور مرير بالخذلان، وفقدان الثقة بالحب والحبيبة، بل تكشف لنا أن علاقة الحب تحولت عنده إلى عبء ثقيل وأنين، وهم مرسوم على الجبين:
فعلى جبيني ألف لحن/ من همومي وأنيني.
إذن، فالشاعر يكشف لنا من خلال القصيدة عن معاناة وجودية حقيقية، تركت في ضلوعه قلبا محطماً وشعوراً بالفناء الذاتي الداخلي حين نجده يقول:
وحدي هنا والليل/ والذكرى، وقلبي الذبيح
ولكن الشاعر العربي رغم دفء قلبه وفوران عاطفته لا يمكن إلا أن يلبس عباءة الفارس
فهو ينتفض كالأسد الجريح بكبرياء لا يخلو من مرارة كئيبة، ويختار أن ينهي القصيدة بموقف حازم ثابت لا تراجع فيه، فيتخذ المشهد بعداً إنسانياً يتمثل في حالة الصراع بين النهوض والإنكسار وبين الحنين والرغبة في إغلاق الباب الي سيعيده إلى وادي الهوى (ولا يخفى ما في هذه العبارة من معان وإيحاءات)
هيا اتركي وادي الهوى/
إني أقمت على الثبات
في النهاية أهدي تحياتي إلى الصديق الشاعر الملهم والأصيل مع إعجابي بقصيدته التي تستحق ان يكتب عنها الكثير والتي بالإضافة إلى جمالها البنيوي بما تحويه من صور وتشبيهات واستعارات ومجازات نتركها النقاد المتخصصين فهي قد فتحت أمامنا أفقاً واسعاً في معنى الحب والخداع والزمن المحكوم في النهاية بالضياع.
—-
بقلم
الشاعرة اللبنانية
هدى ميقاتي
لُمّى شراعكِ/ قصيدة لشاعر الأمة محمد ثابت
لُمّى شراعكِ من سفيني
ولْترْحلي لا تخدعيني
لا تُؤلمي قلبي الذى
بدمائهِ تجرى شجوني
فعلى جبيني ألفُ لحنٍ
من هُمومي من أنيني
قد ماتتِ الأشواقُ عندي
ماتَ فى صَدري حَنيني
….
وحدى هنا والكاسُ يحكي
عن ليالينا الحبيبةْ
أبكي وتبقى فى عيوني
كُلُّ أحلامي السَّليبةْ
وتهيمُ رُوحي في خريفُ
الحبِّ ساعاتٍ عصيبةْ
فإذا بقلبي من لهيبِ
الوجدِ يشكو لي نَحيبهْ
….
وحْدى هنا والليلُ
والذّكرى وقلبي كالذَّبيحْ
والعمرُ يمْضي فجأةً
والدَّمعُ بالجفنِ القريحْ
سهمٌ أضرَّ بمهجتي
وأضرّ بالقلبِ الصَّحيحْ
ولّى الشّبابُ ولم يعدْ
بي غيرُ آهاتِ الجريحْ
….
لُمّي شِباككِ وارحلي
ما عادَ وقتٌ للعتابْ
وتبدَّلي وتلوّني
في كُلِّ أشكالِ الثّيابْ
وترنَّمي لحنَ الصِّبا
فالعمرُ يمْضي والشَّبابْ
ونظلُّ بالذِّكرى حيارى
نحْتسي كأسَ السَّرابْ
….
لُمّي ولُمّي ما تبقى
من عهودٍ مُشٰرِقاتْ
ولْتتركيني في سكوني
أصطلي ذُلَّ الشّتاتْ
لا ترجعي ولَّتْ عهودُ
الحبِّ والأخلاصُ ماتْ
هيَّا اتركي وادي الهوى
إنِّي أقمتُ على الثَّباتْ
……..
لشاعر الأمة محمد ثابت
مؤسس شعبة شعر الفصحة باتحاد كتاب مصر



