فلسفة العمر الهادئ… قراءة في كتاب “حاجز الثمانين”

الدكتور :رشيد بن عبدالعزيز الحمد
– يشهد العالم اليوم اهتماماً متزايداً بمفهوم جودة الحياة، خصوصاً في مراحل التقدم بالعمر، حيث تتقاطع الخبرة مع الحكمة، وتتشكل رؤية أكثر نضجاً للحياة. وفي هذا السياق برز في اليابان كتاب أحدث ضجة واسعة بعنوان “حاجز الثمانين” لعالم النفس المتخصص في شؤون كبار السن هيديكي وادا، والذي تجاوزت مبيعاته منذ صدوره نصف مليون نسخة في فترة وجيزة، في مؤشر يعكس عطش الناس لفهم أسرار العيش بهدوء وسلام في مرحلة ما بعد الستين.
حكمة تُختصر في قواعد بسيطة
يقدم الدكتور وادا خلاصة تجربته الطويلة من خلال مجموعة من القواعد العملية، التي تبدو بسيطة في ظاهرها لكنها تحمل عمقاً في رؤيتها للنفس والجسد. وهو يؤكد أن الهدف ليس إطالة العمر بقدر ما هو رفع جودة اللحظة التي يعيشها الإنسان:
• امشِ كل يوم ولو دقائق.
• تنفّس بعمق عند الغضب، ودع المشاعر تعبر دون أن تربكك.
• لا تُكثر من الأدوية ولا تركض خلف الأرقام الصحية دون ضرورة.
• حرّك جسدك باستمرار، فالسكون بداية الوهن.
• استخدم ذاكرتك… واستدعِ التفاصيل، فالنسيان ثمرة عدم الاستخدام.
• لا تجالس من يرهق روحك.
• كل ما يسعدك ولو زاد وزنك قليلاً.
• تعلّم شيئاً جديداً دائماً، فالتوقف عن التعلم هو الشيخوخة الحقيقية.
• تقبّل المرض بحكمة، وتعايش معه دون معارك مرهقة.
• ابتسم… فالرضا يكفي الإنسان أكثر مما يظن.
مرحلة ما بعد الستين… بداية لا نهاية
يرى وادا أن عمر ما بعد الستين ليس انطفاءً بل بداية مرحلة أكثر صفاءً واتزاناً. يختار فيها الإنسان إيقاعه الخاص، ويصبح أكثر قدرة على الانتقاء: انتقاء الأشخاص، والأفكار، والأولويات. فالشيخوخة ليست عبئاً، بل هدية تمنح الإنسان حرية أكبر، وتجعله أقرب إلى ذاته، وأصدق مع احتياجاته.
لماذا أحدث الكتاب كل هذه الضجة؟
لأن رسالته خفيفة على النفس، وقريبة من الواقع.
فالعالم اليوم يركض بسرعة، ويغرق الناس في صور الكمال الصحي، والنجاح، والمظهر، فيعيش كثيرون تحت ضغوط لا معنى لها.
ويأتي “حاجز الثمانين” ليقول ببساطة:
اهدأ… عش كما تريد… واستمتع بما تبقى دون خوف من العمر.
خاتمة
يذكّرنا الكتاب بأن الحكمة ليست في عدد السنين، بل في كيفية استثمارها.
وأن الحياة الهادئة لا تحتاج إلى معجزات بقدر ما تحتاج إلى بساطة، وحركة، وابتسامة.
فالعمر لا يُقاس بالزمن… بل بما يتركه فينا من راحة وسلام.



