حين تختبر الأموال صدق الصداقة

الدكتور :رشيد بن عبدالعزيز الحمد
– في عالم الأعمال، لا تُقاس النجاحات بالأرقام وحدها، بل تُقاس بقدرتنا على الحفاظ على القيم حين تتقاطع المصالح، وبحكمتنا في صون العلاقات حين يحضر المال.
قصة هذا الزميل، الذي اختير بعناية ليكون رئيسًا تنفيذيًا لإحدى أكبر الشركات التعليمية العائلية في المملكة، ليست قصة منصب بقدر ما هي قصة ثقة. أربعة عشر عامًا قضاها في العمل المتواصل، بإخلاصٍ نادر، وجهدٍ مشهود، أسهم خلالها في نمو كيان يضم أكثر من خمسة وثلاثين مجمعًا تعليميًا، حتى أصبح من أكبر الصروح التعليمية في الوطن.
لم يكن اختياره صدفة، بل لأنه كان الأقرب كفاءة، والأصدق انتماء، والأوفى التزامًا. وكان الرابط بينه وبين المالك أعمق من عقد عمل؛ زمالة دراسة، وصداقة عمر، وشراكة في الحلم قبل أن تكون شراكة في العمل.
وحين انتهت رحلته الوظيفية – بعد نجاحٍ لا يُنكر – توقّع الجميع أن تُختم هذه المسيرة بما يليق بها: حفظ الحقوق، وتقدير الجهد، وردّ المستحقات النظامية التي يعرفها كل عقد ويقرّ بها كل نظام. لكن المؤلم أن يُغلق هذا الملف بصمت، وأن يُجحد حقٌّ، لا لعجزٍ مالي، فالشركة – والحمد لله – في وفرة، بل دون مبررات واضحة.
المؤلم أكثر أن المال، وهو أهون ما في القصة، كان سببًا في برود علاقة، وقطيعة مشاعر، بعد أن كانت صداقة صادقة. مع أن المواقف تشهد بغير ذلك؛ ففي أحد اللقاءات، وقف هذا الرئيس التنفيذي يُثني بإخلاص على زملائه، ويذكر فضل المالك، حتى غلب التأثر صاحبه، وبكى المالك قائلاً: “هذا الرجل من أعز أصدقائي”.
وهنا يبرز السؤال الأخلاقي قبل النظامي:
هل يليق بتاريخ الصداقة، وصدق العِشرة، وطول المسيرة، أن تُختصر كلها في مبلغٍ مالي؟
وهل الوفاء يُقاس فقط بما قُدّم، أم أيضًا بما يُختَم به؟
إن إعادة النظر في هذا الملف ليست ضعفًا، بل شجاعة. ومبادرة المالك بردّ الحق – إن كان مستحقًا – ليست خسارة، بل كسب أخلاقي وإنساني كبير. فهي رسالة بأن القيم لا تسقط بالتقادم، وأن الصداقة الحقيقية لا تُهزم أمام الأرقام.
نحن جميعًا عابرون، وسنلتقي يومًا لا تنفع فيه المناصب ولا الأرصدة. والأجمل أن تُصفّى هذه الأمور في حياتنا، وأن نحرص على بعضنا، وألا نخسر قلوبًا صادقة مقابل مالٍ زائل.
فالوفاء، في النهاية، هو الاستثمار الذي لا يخسر أبدًا.



