لغة الضاد في العصر الرقمي: رحلة تكامل بين عبقرية الإنسان وذكاء الآلة

بقلم:ندى فاروق قطان
تعيش لغتنا العربية اليوم، وهي التي طالما كانت وعاءً للحضارة والبيان، لحظة فارقة أمام طوفان العصر الرقمي. لم تعد المسألة مجرد “حوسبة” تقليدية للكلمات، بل تجاوزنا ذلك إلى مرحلة أعمق بكثير؛ مرحلة “الذكاء الاصطناعي التوليدي” الذي يُنسج النصوص بإبداع، و”الذكاء التوكيلي” الذي يعمل كمساعد ذكي ينجز المهام بذكاء
هذا التكامل الدقيق بين القدرتين يفتح الباب واسعاً أمام نهضة لغوية غير مسبوقة، شريطة أن نجيد توجيه الدفة. نحن أمام ما يمكن تسميته بـ “ذكائيات البيان”، حيث تتحول الآلة من أداة صامتة إلى شريك في توليد المعنى، وحارس للهوية، وداعم حقيقي للطالب والمعلم والباحث والأديب.
:البنية التحتية: حصن رقمي للعربية-
عند الحديث عن تمكين العربية رقمياً، لا بد من الإشادة بالدور الريادي للمملكة العربية السعودية. حيث يقود مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية جهوداً مؤسسية ضخمة لبناء بنية تحتية متينة لذكاء اصطناعي “عربي الهوية واللسان
وقد تجسد ذلك في مبادرات نوعية مثل منصة “فلك”، التي توفر مدونات لغوية ضخمة وموثقة، تعتبر وقوداً أساسياً لتدريب النماذج الذكية على فهم سياقنا العربي الأصيل. وبالتوازي، تعمل منصة “سوار” كجسر يربط التطبيقات الحديثة بأدق المعاني المعجمية عبر واجهات برمجية متطورة، مما يخدم الباحثين وصناع المعاجم في عصر الرقمنة.
:سيادة تقنية بعقول عربية_
أثبتت الكفاءات العربية أنها ليست خارج سباق هذا المضمار العالمي. فاليوم، نفخر بنماذج لغوية كبرى تفهم ثقافتنا بعمق، وعلى رأسها نموذج “علاّم” من “سدايا”، الذي صُمم ليكون عقلاً رقمياً مستوعباً للخصوصية العربية والإسلامية
كما يبرز نموذج “جيس”الإماراتي كأحد أفضل النماذج مفتوحة المصدر عالمياً في خدمة الفصحى. ولا ننسى المنصات الشاملة مثل “عربي، (Araby AI CHATGPT ، وحتى الاستفادة من النماذج العالمية العملاقة مثل جيمناي جوجل التي أصبحت تتحدث العربية بطلاقة، مما يمكننا من توظيف قدراتها الهائلة لخدمة لغتنا.
: نقلة نوعية في التعليم والبحث العلمي_
في الفصول الدراسية، بدأنا نلمس تحولاً من التلقين إلى التمكين التفاعلي. حيث أصبح للطالب “رفيق ومساعد دراسي” ذكي متاح دائماً، يولد له أمثلة لغوية مبسطة تساعده على الفهم. أما المعلمون، فقد وجدوا متنفساً إبداعياً في أدوات تساعدهم على إنشاء محتوى تفاعلي مخصص لاحتياجات كل طالب وإدارة الفصول بذكاء، وحتى تقديم خطط علاجية للطلاب المتعثرين وإثرائية للموهوبين وقصص إبداعية للشغوفين. وللنشء نصيب، عبر تطبيقات ممتعة مثل “زرافة” التي تحببهم في القراءة وتصحح نطقهم.وستوري بوك من جيميناي جوجل.
وفي ميدان البحث وحماية اللغة، ظهرت أدوات كـ “حراس رقميين للفصاحة”. فمنصة “لسان” تعمل كمدقق لغوي دقيق، ومساعد “قلم” يقترح تحسينات أسلوبية. أما الباحثون، فقد وجدوا في أدوات مثل ملاذاً للوصول السريع للمعلومات الموثقة بمصادرها، متجاوزين بذلك عناء البحث التقليدي.نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر
prexility
:آفاق جديدة للإبداع والقراءة-
لم يقتصر التأثير على الجانب الوظيفي، بل امتد للأدب والثقافة. تحولت المكتبات الرقمية، مثل “رفوف” و “أبجد”، إلى منصات ذكية تفهم ذائقة القارئ وتقترح عليه ما يناسبه، بل وتتيح له الاستماع للكتب.
وبالنسبة للأدباء، أصبح الذكاء الاصطناعي محفزاً للإبداع، يساعد في توليد الصور الشعرية أو مراجعة المسودات عروضياً ولغوياً. وفي عالم الصوتيات، فتحت تقنيات مثل “سلمى”آفاقاً جديدة بتحويل النصوص إلى كلام عربي فصيح وسليم.
:كلمة أخيرة: الوعي قبل الأداة-
ختاماً، يجب أن ندرك أن هذه التقنيات المذهلة هي في النهاية “مساعد طيار” وليست البديل عن العقل البشري. إن استخدامها يتطلب وعياً ومسؤولية؛ فلا يجب أن تكون مبرراً للنسخ واللصق الأعمى، بل أداة للعصف الذهني وإعادة الصياغة بلمستنا الخاصة. علينا دائماً توثيق مصادرنا بأمانة علمية. والأهم، أن نحذر من “الضمور اللغوي”؛ فالاعتماد الكلي على الآلة قد يضعف مهاراتنا الذاتية. تظل القراءة العميقة من المصادر الأصيلة هي الأساس الذي لا غنى عنه لصقل الملكة اللغوية.
لنجعل من هذه الخوارزميات أداةً و عَونًا لبياننا العربي، لتبقى لغتنا مواكبة لروح العصر، وحية في العقول والقلوب، تجمع بين أصالة الماضي ورؤية المستقبل.



