قراءتي في مقال الكاتبة ليلى العاجيب «رقص الهجع
من صلوات المعبد إلى ملاهي أربيل» ..

عبد العزيز عطية العنزي
يأتي مقال الكاتبة ليلى العاجيب بوصفه محاولة واعية لقراءة الذاكرة الجسدية في ثقافة الرافدين، حيث لا يُقدَّم رقص الهجع كفعلٍ ترفيهي عابر، بل كأرشيف حيّ لتحولات المقدّس في المجتمعات الشرقية. المقال لا يتعامل مع الرقص بوصفه حركة، بل بوصفه لغة، ووسيطًا بين الإنسان والمطلق، وبين التاريخ واللحظة الراهنة.
تنجح العاجيب في إعادة ربط رقص الهجع بجذوره الطقسية الأولى، حين كان الجسد جزءًا من العبادة، وحين كانت الحركة صلاة، والدوران استعارة للكون، وضرب الأرض إعلانًا عن الخصوبة والحياة. هذه القراءة تعيد الاعتبار للجسد بوصفه حاملًا للمعنى، لا أداة للفرجة فقط، وتكشف كيف كانت المرأة، عبر هذا الرقص، تمثّل الإلهة الأم، مركز الخلق والقوة والاستمرارية.
الأهم في المقال هو تتبّعه لمسار التحوّل؛ كيف انتقل الهجع من المعبد إلى الفضاء الشعبي، ومن الطقس إلى العرض، ومن المقدّس إلى اليومي. هذا التحوّل لا يُطرح بوصفه سقوطًا قيميًا، بل كنتيجة طبيعية لتحوّل المجتمعات نفسها، حيث تفقد الطقوس قدسيتها العلنية، لكنها تبقى حيّة في الذاكرة والحركة والإيقاع.
قراءتي للمقال تكشف أنه لا يتحدث عن رقص بعينه، بقدر ما يتحدث عن سؤال أوسع: ماذا يبقى من المعنى حين ينتقل من سياقه الأول؟ وهل يفقد الفن روحه عندما يغادر المعبد؟ العاجيب تجيب ضمنيًا بأن الروح لا تختفي، بل تتخفّى، وتعيد الظهور بأشكال جديدة، حتى في أكثر الأمكنة ابتعادًا عن قدسيتها الأولى.
في المحصلة، يقدّم المقال قراءة ثقافية عميقة لرقص الهجع بوصفه شاهدًا على تاريخ طويل من التحوّل، ويضع القارئ أمام حقيقة أن الجسد، مهما تغيّرت الأزمنة، يظل ذاكرةً لا تنسى، وحكايةً تُروى بالحركة حين تعجز اللغة.



