حين يكون التقاعد تتويجًا لا وداعًاكلمة وفاء في حق الأستاذ فهد ناصر النهيو

بقلم الدكتور عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان
ليست كل النهايات ختامًا، فبعضها يكون تتويجًا لمسيرة، وإعلانًا لبداية أثرٍ أبقى وأعمق. والتقاعد، حين يلامس رجال القيم، لا يأتي بوصفه انسحابًا من المشهد، بل انتقالًا من ميدان العمل إلى مقام القدوة، ومن صفحات التقارير إلى ذاكرة القلوب.
وهكذا هو الأستاذ فهد ناصر النهيو؛ اسمٌ إذا ذُكر اقترن بالثبات، وإذا استُحضر حضرت معه المعاني النبيلة قبل المسميات الوظيفية. لم يكن يومًا مجرد موظف يؤدي واجبه، بل كان منبع الطيب، ومصدرًا للحكمة، ومرجعًا يُلجأ إليه حين تتعقّد المواقف وتشتد الأسئلة.
على امتداد سنوات عمله، مارس الأستاذ فهد دوره بصمت العارفين، وبثبات من يدرك أن العمل الحقيقي لا يحتاج إلى ضجيج. كان حضوره مطمئنًا، وكلمته موزونة، وموقفه راسخًا على القيم قبل الأنظمة. ينجز دون انتظار ثناء، ويعطي دون أن يُحصي ما أعطى، ويترك الأثر حيثما حلّ دون أن يتقصّد الظهور.
وما أعظم الإنسان حين يكون معلّمًا بسلوكه قبل حديثه. فقد كان مدرسةً مفتوحة في الأخلاق المهنية؛ يُعلّم الانضباط دون قسوة، ويغرس المسؤولية دون تعالٍ، ويربّي على احترام العمل والإنسان معًا. تعلّمنا منه أن الكفاءة لا تكتمل إلا بالأمانة، وأن الخبرة لا تؤتي ثمارها إلا إذا اقترنت بالتواضع.
لم يكن من أولئك الذين يمرّون في الممرات ثم يُنسَون، بل من الذين يتركون أثرهم في النفوس، وتبقى سيرتهم تُروى كلما ذُكر الإخلاص، أو استُحضر معنى العطاء الصادق. فمن جاوره تعلّم، ومن عمل معه اطمأن، ومن عرفه أدرك أن الطيب ليس صفة عابرة، بل نهج حياة.
واليوم، ونحن نحتفي بتقاعده، فإننا لا نودّعه، بل نحتفل بإرثٍ إنسانيٍّ ومهنيٍّ مشرف. نحتفل بسنواتٍ لم تذهب سدى، وبجهدٍ لم يضع، وبأثرٍ سيظل حاضرًا في تفاصيل المكان، وفي ذاكرة الزملاء، وفي دعوات من مسّهم خيره.
إن التقاعد في حق الأستاذ فهد ليس نهاية السطر، بل فاصلة جميلة تتيح له أن يقرأ ما كتبته يداه من أثر، وأن ينظر خلفه مطمئنًا؛ فقد أدّى الأمانة، وصدق مع عمله، وأخلص لمن حوله. وسيبقى ـ بإذن الله ـ حاضرًا بحكمته، ومستشارًا بتجربته، وقدوةً بأخلاقه.
نسأل الله تعالى أن يجعل ما قدّم في ميزان حسناته، وأن يجزيه عن كل لحظة إخلاص، وكل موقف نبيل، وكل أثرٍ طيب. وأن يمنّ عليه بالصحة والعافية، وراحة البال، وحياةٍ عامرة بالسكينة والرضا، وأن يبقيه كما عرفناه: منبعًا للطيب، ومثالًا يُحتذى، وأثرًا لا يزول.



