الكويت في عيون كاتبة سعودية

 

بقلم الكاتبة:نجاح بنت لافي الشمري

الحدود الشمالية

رفحاء..

حين أنظر إلى الكويت، لا أراها مجرد مساحة على خارطة الخليج، بل أراها فكرةً حيّة، وتجربةً إنسانية تشبه الحكمة الهادئة التي لا ترفع صوتها، لكنها تترك أثرًا عميقًا في الروح. الكويت في عيني ليست وطنًا مجاورًا فحسب، بل مرآة تعكس معنى الصمود، وقيمة الإنسان، وقدرة الشعوب الصغيرة جغرافيًا على أن تكون كبيرة معنويًا.

الكويت تشبه الإنسان الذي تعلّم من البحر الصبر، ومن الصحراء الثبات، ومن التاريخ ألا يستسلم. هي بلدٌ عرف القسوة، لكنه لم يفقد رهافة القلب، وذاق الانكسار، لكنه لم يتخلَّ عن كرامته. في فلسفة وجودها درسٌ عميق: أن القوة لا تُقاس بالاتساع، بل بالوعي، وأن البقاء ليس حظًا بل خيارًا يتجدد كل يوم.

ما يلفتني في الكويت هو علاقتها بالإنسان؛ فهناك لا يُختزل المواطن في رقم، ولا تُمحى الذاكرة الجماعية بسهولة. الكويت تحفظ أسماء مثقفيها، وتبقي الحوار حيًا، وتمنح الكلمة وزنًا، وكأنها تؤمن أن الفكر هو خط الدفاع الأول عن الأوطان. في زمن السرعة، ما زالت الكويت تتأنّى، تفكّر، وتراجع، وكأنها تقول إن الحكمة أبطأ من الضجيج لكنها أبقى.

أجد في الكويت معنى الأخوّة التي لا تحتاج إلى إثبات. فالعلاقة بين السعودية والكويت ليست سياسة عابرة، بل تاريخ شعوري مشترك، حيث تتشابه الهموم، وتتعانق القيم، ويصبح المصير متقاربًا مهما اختلفت التفاصيل. الكويت هنا ليست “الآخر”، بل جزء من الذات الخليجية الواحدة.

الكويت في عيني سؤال فلسفي مفتوح: كيف يمكن لوطنٍ أن يتألم دون أن يقسو؟ وكيف يحافظ على إنسانيته وسط تقلبات العالم؟ وربما الجواب يكمن في إيمانها العميق بأن الإنسان هو الغاية، وأن الوطن الذي يحمي كرامة شعبه لا يُهزم.

لهذا، أكتب عن الكويت لا كزائرة، بل كمن يكتب عن فكرة قريبة من قلبه. أكتب عنها كدولةٍ تعلمنا أن الأوطان لا تُقاس بما تملك، بل بما تعطي، ولا تُعرف بقوتها فقط، بل بقدرتها على النهوض كل مرة… أكثر وعيًا، وأكثر حكمة.

ويكتمل هذا الشعور بالفخر حين أتأمل حكّام الكويت، أولئك الذين أدركوا باكرًا أن الحكم ليس امتلاكًا للسلطة، بل تحمّلٌ للمسؤولية، وأن القيادة الحقيقية تُقاس بقدرتها على حماية الإنسان قبل حماية الحدود. فقد قدّم حكّام الكويت نموذجًا في التوازن بين الحزم والحكمة، وبين الحفاظ على الثوابت والانفتاح على متغيرات العصر، فصار القرار عندهم فعلَ وعي لا ردَّ فعل.

تميّزت القيادة الكويتية بإيمانها بالمشورة، واحترامها لصوت الشعب، وكأنها تعلن أن الوطن لا يقوم على فردٍ واحد، بل على عقدٍ أخلاقي يجمع الحاكم والمحكوم في مسؤولية مشتركة. وهذا ما منح الكويت خصوصيتها السياسية، ورسّخ مكانتها كدولة تحترم القانون وتؤمن بالحوار طريقًا للاستقرار.

وفي المواقف المفصلية، ظهر معدن القيادة الكويتية الأصيل؛ قيادةٌ تعرف متى تصمد، ومتى تتعقّل، ومتى تجعل من الدبلوماسية جسرًا لا ساحة صراع. فكانت الكويت صوت العقل ، ومثالًا على أن السياسة يمكن أن تكون إنسانية دون أن تكون ضعيفة.

ومن موقع الاعتزاز الخليجي، لا يسعني إلا أن أقدّر هذا الإرث القيادي الذي حافظ على الكويت آمنة، متمسكة بهويتها، منفتحة على العالم، ومخلصة لقضايا أمتها. فحكّام الكويت لم يصنعوا مجدًا عابرًا، بل رسّخوا نهجًا، وأسسوا دولةً تحكمها القيم قبل المصالح، والإنسان قبل الأرقام.

هكذا تظل الكويت، بقيادتها وشعبها، تجربةً ملهمة في معنى الدولة، ودليلًا حيًا على أن الحكم حين يقترن بالحكمة، يصبح الوطن أكثر من أرض… يصبح رسالة.

والكويت في عيون الكاتبة السعودية ليست فقط دولةً شقيقة، بل حالة وجدانية تستدعي الاحترام قبل الإعجاب. أراها وطنًا يعرف نفسه جيدًا، فلا يضيع في تقليد الآخرين، ولا ينغلق خوفًا من الاختلاف. تمضي بثبات، مستندة إلى وعي تاريخي يجعلها أكثر قدرة على قراءة الحاضر وصناعة المستقبل دون ضجيج.

ومن زاوية كاتبة سعودية، أجد في الكويت صورة للأخوّة الخليجية في أنقى تجلياتها؛ تلك الأخوّة التي لا تحتاج إلى شعارات، لأنها متجذّرة في التاريخ والمصير المشترك. فالكويت ليست جارًا على الحدود فقط، بل شريكًا في القيم، وفي الإحساس العميق بأن أمن الخليج واحد، وأن نهضته لا تكتمل إلا بتكامل دوله.

الكويت في عيني مساحة توازن نادرة، تجمع بين الأصالة والتجديد، وبين الانتماء المحلي والحضور الإنساني الأوسع. هي بلدٌ حافظ على هويته دون أن يعادي الحداثة، وفتح نوافذه للعالم دون أن يتخلى عن روحه. وهذا التوازن هو ما يجعلها تجربة تستحق التأمل، لا مجرد الإشادة.

وهكذا، حين أكتب عن الكويت، فإنني أكتب عن وطنٍ يعلّمنا أن الكرامة ليست خطابًا، بل ممارسة، وأن السيادة ليست عزلة، بل احترام متبادل، وأن الأوطان العظيمة لا تصنعها الصدفة، بل تصنعها قيادة واعية وشعبٌ يعرف قيمة ما يملك. الكويت في عيون الكاتبة السعودية وطنٌ يُحترم، ويُفخر به، ويُكتب عنه بصدقٍ ومحبة.

كاتبة سعودية، أكتب هذا الإهداء محمّلًا بالمحبة والوفاء، لتبقى الكويت دائمًا رمزًا للفخر والإلهام، ووطنًا يستحق الاحترام في كل زمان ومكان حفظ الله الكويت حكومة وشعباً..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى