من الكلام إلى السكينة

 

✍️ الإعلامية /رحمه الشهري -تبوك

في مرحلةٍ ما من الحياة، نصل إلى نقطة نكون فيها قادرين على الكلام بإتقان.

نحلل، نفسّر، نناقش، ونمتلك رأيًا واضحًا في القضايا الكبيرة: الزواج، الاختيار، الحب، والمسؤولية.

نقف في أماكن عامة، أو داخل عقولنا على الأقل، ونشعر أن لدينا ما يستحق أن يُقال.

لكن المدهش أن النضج الحقيقي لا يتوقف عند القدرة على الكلام،

بل يبدأ عندما نعرف متى نتوقف.

هناك لحظة صامتة تفصل بين ما يُقال وما يُعاش.

لحظة ندرك فيها أن بعض المعاني أوسع من المنابر،

وأن أعمق الحقائق لا تحتاج تصفيقًا ولا إنصات جمهور،

بل تحتاج صدقًا داخليًا وطمأنينة.

في تلك اللحظة، يتحول الاتجاه من الخارج إلى الداخل.

من العقل الذي يُنظّم الأفكار،

إلى الروح التي تبحث عن المعنى،

ثم إلى القلب الذي يريد فقط أن يكون مطمئنًا.

نكتشف أن الحب ليس نوعًا واحدًا،

وأن العلاقات لا تُختزل في تعريفات جاهزة،

وأن أقوى أشكال الفهم لا تكون دائمًا في الشرح،

بل في الشعور الهادئ بأن الأمور في مكانها الصحيح.

ثم تأتي البساطة.

أشياء صغيرة تعيد التوازن:

جلسة آمنة، كلمة عفوية، أو لحظة راحة بلا تحليل.

نكتشف أن الإنسان لا يعيش على الأسئلة الكبرى وحدها،

بل على الطمأنينة اليومية، والاحتواء، والرحمة بالنفس.

وفي النهاية، لا نبحث عن إجابة جديدة،

بل عن سكينة.

سكينة تقول لنا إننا لسنا مضطرين لإثبات وعينا،

ولا لتفسير كل شعور،

ولا لحمل كل المعاني دفعة واحدة.

النضج ليس أن نعرف أكثر،

بل أن نهدأ أكثر.

وحين نصل إلى هذه الحالة،

نفهم أن الرحلة لم تكن من جهل إلى معرفة،

بل من الكلام إلى السكينة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى