الفريق الشهراني: أيقونة الخبرة والوطنية

بقلم : محمد أبوحريد

في قلب كل وطن، هناك رجال لا يشغلهم سوى خدمة وطنهم، رجالٌ جعلوا الولاء والإخلاص منهج حياة، وفكروا في مصلحة الوطن قبل مصلحتهم الشخصية. من هؤلاء القادة، يبرز معالي الفريق الركن متقاعد مريع بن حسن الشهراني، شخصية عسكرية استثنائية، قضت أكثر من خمسة عقود في خدمة المملكة، محققًا بصمات واضحة في ميادين الأمن، الإدارة، الثقافة والمعرفة.

محطة البداية: ضابطٌ يتعلّم ويدرك معنى المسؤولية

بدأ الفريق الشهراني مسيرته العسكرية شابًا متحمسًا، متفانيًا في التعلم واكتساب الخبرات. لم يكن مجرد ضابط عادي، بل كان منذ البداية قائدًا في الفكر والميدان معًا. تدرّج في الرتب والمسؤوليات بسرعة، ليس لأنه طلبها، بل لأنه أثبت جدارته، وكانت رؤيته واضحة: الخدمة الحقيقية للوطن لا تعرف التردد ولا حدود الطموح.

خلال هذه الفترة، أدرك أن قوة الجيش ليست فقط في الأسلحة، بل في المعرفة والتخطيط الاستراتيجي، وفي تدريب العقول قبل تدريب الأجساد، وكان دائمًا يشدد على أن الانضباط الحقيقي يبدأ من الفكر قبل الميدان.

رجل المؤسسات: بناء رؤية واستراتيجية وطنية

معاليه لم يقتصر دوره على قيادة الوحدات العسكرية التقليدية، بل امتد إلى تأسيس وإدارة مؤسسات وطنية مهمة. من أبرز إنجازاته قيادة الهيئة العامة للمساحة والمعلومات الجغرافية، حيث جمع بين الخبرة العسكرية والتخطيط المدني لتطوير منظومة وطنية متكاملة، قائمة على البيانات الدقيقة والتحليل العلمي.

كان يراها أكثر من مجرد خرائط أو جداول، بل أداة استشراف استراتيجي. وهو دائمًا يردد: “معرفة الأرض هي معرفة المستقبل، ومن يفهم أرضه يعرف كيف يحمي وطنه ويطوّر مجتمعه.”

شخصية مفكر وعالم

الفريق الشهراني لم يقتصر عمله على الإدارة والتنفيذ فقط، بل كان قارئًا ومستكشفًا في الفكر والثقافة والمعرفة. ألف وقرأ الكتب، واهتم بالثقافة والمعرفة العامة، وعرف كيف يوازن بين شدة المسؤولية العسكرية ورقة الفكر والثقافة.

حتى بعد تقاعده، ما زال حاضرًا في الميادين الاستشارية والفكرية، يشارك في تطوير الخطط الوطنية، ويقدّم رؤى استراتيجية، ويستمر في توجيه الأجيال القادمة لتفهم كيف يمكن للمعرفة أن تصبح قوة حقيقية للوطن.

رفقة القادة: من الأمير سلطان إلى عهد الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان

مرت مسيرته بمحطات مهمة في تاريخ المملكة، فقد عمل جنبًا إلى جنب مع سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله، وكان دائمًا محل تقدير وثقة القيادة، إذ لمس الجميع فيه الالتزام، الحكمة، والقدرة على اتخاذ القرار الصائب.

ومع امتداد مسيرته إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ظل الرجل حاضرًا في مواكبة رؤية المملكة 2030، مستشارًا وموجّهًا في مجالات التخطيط الاستراتيجي، الأمن الوطني، والنهج التطويري الحديث، جامعًا بين خبرة الماضي ورؤية المستقبل.

حضور مستمر بعد التقاعد: رجل الأمة والوعي الوطني

حتى بعد التقاعد، لم يتوقف عن خدمة وطنه، بل أصبح رمزًا للتجربة والخبرة، ووجهة للكثير من الضباط، والمهتمين بالشؤون العسكرية والاستراتيجية، والمواطنين الطامحين لفهم كيفية تحويل الفكر إلى فعل مؤثر على الأرض.

في كل محفل، سواء كان رسميًا أو فكريًا، تجده حاضرًا بشخصيته المؤثرة، وابتسامته الهادئة، وكلماته التي تصل إلى القلب قبل العقل. فهو يجسد صورة الرجل الوطني الكامل: قائد، مفكر، مربٍّ، وناقل للخبرة والمعرفة للأجيال القادمة.

خاتمة: إرثٌ حيّ ودرس للأجيال

مسيرة معالي الفريق الركن متقاعد مريع بن حسن الشهراني ليست مجرد حياة عسكرية، بل درس متكامل في الولاء، الإخلاص، الفكر، والقيادة. رجل لا يعرف التراجع، رجل خدم وطنه بجد، رجل صنع مؤسسات ومعرفة، ورجل ما زال حاضرًا في كل تحدٍ تواجهه المملكة، مثالًا حيًا لما يمكن أن يكون عليه القائد الوطني: شجاعًا في الميدان، حكيمًا في القرار، ومثقفًا في الفكر.

هذا هو الرجل الذي يستحق أن يُذكر، ويُحتفى به في كل محطة، لأنه رمزٌ للوطنية، نموذجٌ للقيادة، ودرس للأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى