حضرموت.. الأرض التي صنعت حضورها عبر التاريخ

بقلم:عبدالعزيز عطيه العنزي
ليست حضرموت مجرد إقليم جغرافي في شرق اليمن، بل واحدة من أقدم الحواضر العربية التي صنعت حضورها بهدوء، وامتد تأثيرها عبر قرون من التاريخ، من عمق الجزيرة العربية إلى سواحل آسيا وشرق أفريقيا.
تقع حضرموت في الجزء الشرقي من اليمن، وتُعد من أكبر أقاليمه مساحة وأكثرها ثراءً تاريخيًا. وقد ورد اسمها في النقوش السبئية القديمة والكتب التاريخية، ما يؤكد عمقها الحضاري وقدمها الزمني، وسط اختلاف الروايات حول أصل التسمية بين النسبة القبلية والدلالات اللغوية.
وشهدت حضرموت في الألفية الأولى قبل الميلاد قيام مملكة حضرموت التي اتخذت من مدينة شبوة عاصمة لها، وكانت إحدى أهم الممالك العربية الجنوبية. وتميزت المملكة بدورها المحوري في تجارة اللبان والبخور، حيث كانت تلك السلع من أثمن المنتجات في العالم القديم، تُنقل عبر القوافل البرية إلى الشام ومصر، ومن خلال الموانئ الحضرمية إلى الهند وشرق أفريقيا.
ومع دخول الإسلام في السنة العاشرة للهجرة، انضمت حضرموت إلى الدولة الإسلامية دون حروب، لتبدأ مرحلة جديدة من التأثير الديني والعلمي. وبرزت حضرموت لاحقًا كمركز علمي وروحي، خرج منه العلماء والدعاة الذين نشروا الإسلام بالأسلوب السلمي في جنوب شرق آسيا، خصوصًا إندونيسيا وماليزيا، إضافة إلى مناطق واسعة في شرق أفريقيا.
وتُعد الهجرة الحضرمية من أبرز الظواهر التاريخية المرتبطة بالإقليم، إذ لم تكن هجرة اقتصادية فحسب، بل حملت معها قيم العلم والدين والتعايش. وأسهم الحضارم في بناء مجتمعات مستقرة خارج موطنهم، وبرزت أسر حضرمية لعبت أدوارًا مؤثرة في الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية في بلدان المهجر.
وفي العصر الحديث، مرت حضرموت بمحطات سياسية متعددة، من حكم السلاطين المحليين إلى التأثير الاستعماري البريطاني في بعض مناطقها، قبل أن تصبح جزءًا من الدولة اليمنية الحديثة. ورغم ذلك، حافظت حضرموت على خصوصيتها الثقافية وهويتها المعمارية، التي تتجلى بوضوح في مدنها الطينية، وعلى رأسها مدينة شبام المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
وتبقى حضرموت اليوم شاهدًا حيًا على تاريخ طويل من الحضارة والتأثير الهادئ، أرضٌ لم تصنع مجدها بالصخب، بل بالعلم والتجارة والإنسان، لتظل واحدة من أكثر المناطق العربية حضورًا في الذاكرة التاريخية العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى