التويجري: الإساءة العاطفية تقتل بصمت.. وجراحها أعمق من الكدمات

سمر الصباح/ الرياض
بين الضجيج المستمر حول قضايا العنف الجسدي في العلاقات، يمرّ نوع آخر من الأذى بصمت لا يسمعه كثيرون، لكنه يترك في النفس ندوبًا لا تُمحى. إنه العنف العاطفي، الذي وصفته الأخصائية الاجتماعية الأستاذة شريفة التويجري بأنه «الألم الصامت الذي لا يُرى، لكنه يُشعر به بعمق، ويمتد أثره طويلًا في دواخل الإنسان».
تقول التويجري: «الإساءة العاطفية لا تعني بالضرورة كلمات قاسية أو صراخًا غاضبًا، بل قد تكون صمتًا عقابيًا يترك القلب معلقًا في الفراغ، أو سخرية مغلّفة بمزاح جارح، أو تجاهلًا متكررًا يجعل الشخص يشعر بأنه غير مرئي».
وتحذر من خطورة هذا النوع من العنف الذي يبدأ بهدوء، ثم يتحول مع مرور الوقت إلى أداة تُهشّم الثقة بالنفس، وتعيد تشكيل الصورة الذاتية للضحية بطريقة تجعلها تشكك في مشاعرها وقدرتها على الحكم على الأمور.
وتضيف: «حين يُهمَّش الشخص باستمرار أو يُقابل بالسخرية حين يعبّر عن نفسه، يدخل في دوامة مرهقة من الإنهاك النفسي. كلمات مثل (أنت تبالغ)، أو (ما تفهم)، تصبح معاول تهدم شعوره بالاستحقاق والكرامة».
التويجري أوضحت أن العلاقات الصحية لا تقوم على الخوف أو كتمان المشاعر خوفًا من السخرية، بل على الاحترام المتبادل والاحتواء الحقيقي، مؤكدة أن «الحب الحقيقي لا يبرر التجاهل أو التقليل من الشأن تحت ستار المزاح أو العصبية».
وأشارت إلى أن من أخطر صور التلاعب العاطفي ما يُعرف بـ «قلب الطاولة»، حيث يتنصل الطرف المؤذي من مسؤولية أفعاله ويلقي اللوم دومًا على الضحية، فيدفعها إلى حالة من الشعور المستمر بالذنب، حتى تفقد القدرة على تمييز الحقيقة من الوهم.
وتضيف: «المؤذي عاطفيًا قد يبدو ودودًا وطيبًا في نظر الآخرين، لكنه في لحظات الخلاف يُخرج سيف السخرية، يطعن بكلمات مغلفة بالضحك، ثم يقول ببساطة: كنت أمزح! هذا النوع من الأذى لا يجرحك مرة واحدة، بل يستهلكك ببطء حتى تفقد ذاتك.»
وتستند التويجري إلى دراسات علمية، من بينها دراسة أمريكية بعنوان «الإساءة العاطفية في العلاقات الحميمة: دور الجنس والعمر» (O’Leary & Maiuro، 2013)، والتي أكدت أن العنف العاطفي لا يقتصر على النساء فقط، بل يطال الرجال أيضًا، وإن اختلفت أشكاله. فبينما تعاني النساء الشابات من العزل والتحكم، يواجه الرجال الأكبر سنًا أنماطًا من الإهمال، والتقليل من شأنهم، والصمت كسلاح للعقاب. وخلصت الدراسة إلى أن آثار هذا النوع من العنف، رغم هدوئه الظاهري، مدمرة على الصحة النفسية والثقة بالنفس.
وتختم التويجري رسالتها بدعوة صريحة للضحايا بضرورة الاعتراف أولًا بوجود الإساءة، قائلة: «أول خطوة للنجاة أن تسمي الأمور بمسمياتها، بلا تجميل أو إنكار. الاعتراف بأنك تتعرض لإساءة من شخص تحبه، فعل شجاع، لأن التبرير أو الاستمرار بدافع الحب فقط هو ما يفاقم الجرح.»
وفي رسالة مؤثرة لكل من يعيش في علاقة تستنزفه تقول:
«استمع لذلك الصوت الداخلي الذي يخبرك أن هناك خطبًا ما. لا تُسكت هذا الصوت بحجج الطيبة أو العشرة أو الخوف من الوحدة. اطلب المساعدة من مختص، وأعد بناء ذاتك بعيدًا عن قيود الاستنزاف العاطفي. فبعض العلاقات ليست حبًا، بل قيدًا ناعمًا يسرقك من نفسك دون أن تشعر.»