رفقاء الضوء وعابروا الظلّ

الكاتبة وداد بخيت الجهني
يقول جلال الدين الرومي”أيها المسافر،لا تضع قلبك في أي منزل، وإلا أصبحت مهمومًا عند الرحيل”
هذا الاقتباس يحمل رسالة عميقة عن التعلق بالمكان،والأشخاص، القلب لا سلطان عليه حين يحبَّ،وحين يكره وحين يملُّ ويزهد في كل شيء.
في هذه الحياة نقابل أشخاص كثيرون من كل الطباع،ومن كل الثقافات،ومن كل الصفات؛ فنلهث خلف فرص التعارف،وخلق العلاقات، وتوسيع دائرة المعارف، بعضهم عابري سبيل يظهرون في حياتنا فجأة فيجعلونها أكثر صعوبةً،وحزنًا؛ جاءوا بالحرب إلى قلوبنا ،بسبب تصرفاتهم التي تعبر عما بداخلهم من حقد ،أو حسد،أو غيرة يبتئسون لسعادتنا،ويمتعضون من فرحنا؛هؤلاء حتمًا سندفعهم خارج حياتنا ،وسنرمهم كما نرمي رسالة في البريد ؛لكنهم سيتركون ذكرى حزينة في جعبة ذكرياتنا رغم رحلتهم القصيرة المتعبة معنا .
وبعضهم حالتنا معهم مختلفة، نسمة باردة تداعب القلب في يوم قائظ ،رذاذة مطر لامست وجوهنا،سكنوا جغرافية الروح ،وأصبحوا ضمادًا لها،منازل دافئة لقلوبنا زرعوا أزهار حبهم في حدائق صدورنا،ونشروا شذاها في ساعات العمر،شاركونا مشاعرنا،استعمروا القلب واقنعوه في البقاء ،يخلقون الأسباب للقاءنا،نجدهم في أوقات ضعفنا،وانكسارنا بجانبنا،ينافسوننا بالحب،والاهتمام، يحتضنون عفويتنا،وجنوننا،يفهمونا لحظاتنا الغامضة، ،يضحكون على مزاجنا البسيط،يمنحوننا الأمان عندما يُسيطر علينا القلق،وتتقاذفنا أمواج الحيرة،يسندونا عند الألم.سكوننا في الضجيج،وعند ارتِعادنا من لهيب الحزن، زهور أمل في قناديل أمنياتنا، ملأذنا حين يخذلنا العالم.
هم وحدهم حبّهم زُرع في النبض، وأرواحهم ستبقى تُحلق في سماء ودَّنا دومًا، وبعضهم خدعونا بشعارات الوفاء،يكنون لنا الاحترام ،يرتدون قناع الودّ،يتركون للصدف رؤيتنا ،يبخلون بالسؤال عنَّا ،يتغاضون عن تفاصيلنا الجميلة، لا يفسحون لابتساماتنا الطريق، يحجبون حبّهم، مشاعرهم ضبابية، عواطفهم متقلبة ،رنات كلماتهم مكبلةبالقلق،يهطل مطرهم حينًا،وجفافهم حينًا أخر، تعاملهم معنا يُعطي أشارات مختلفة.هؤلاءلن تنساهم سراديب ذاكرتنا لأنه لولا ولوجهم دائرة حياتنا لما عرفنا معادن البشر ، وتعرية الوجوه الملونة ،فبهم تجلت لنا الحقيقة المرة؛ فالحديد مهما صبغناه بلون الذهب وأضفنا له بريقًا لأمعًا لن يصمد بريقه بمرور الزمن ، فرياح الشدائد أسقطت أقنعتهم،وكشفت خفاياهم المكنونة ،فتمثلياتهم رغم اتقان تأليفها ،واخراجها ؛ألاّ أنها أيقظتنا من غفلتنا،وأعادت لنا وعينا؛وجعلتنا نبصر الجانب السوداوي الذي كان مخفيا عنَّا.
فالأمان عندما يُسلب من مأمنه لايعود أبدًا،وانسكاب الألم نيران تعجز الدموع عن إطفائها،لذلك من أرض الوجع سنكون معهم مثل الجراح الماهر الذي يُمسك المِبْضَع بكل شجاعة ،ويبارز الورم ويقطلعه من جذوره .
وفي نهاية المطاف مع لكمات الحياة لقلوبنا سندرك بأن أحاسيسنا هي من تصنعنا،لذلك لا تسمح لأحد أن يسرق وحدتك دون أن يقدم لكَ رفقةً حقيقيةً ولا يكن قلبك مفتوحًا على مصرعيه كمشفى للطوارئ. فعلاقاتنا مع الناس تُدمي هنا،وتداوي هناك وإذا أردنا أن نبحث عن روح أخرى تُشبهنا فلنحرص أن تكون هي مرفأ الأمان ،وسلامَنا الداخلي ووطننالحقيقي،فالعمر لا يُعاش مرتان.



