فراشتي التي لا تُرى

نص فلسفي بقلم: عبدالعزيز عطيه.
المقدمة
في كل رحلة إبداعية، ثمّة كائن غامض لا يُرى،
يلهمنا، ويغيب، ويعود من بين طبقات الصمت،
كأنه خيال الضوء حين يمرّ على الروح.
من هناك وُلد هذا النص… من لقاءٍ بين الكاتب،
وفراشةٍ لا تراها العيون، لكنها تعيش في أعماقه.
يتطاير الفراش في كل صوب،
وتنحني الأغصان بعد أن تهمس الريح بأسرارها،
غير أن واحدةً منها،
فراشة لا تُرى،
تحلّق نحوي وحدي.
كأنها من سلالة الحلم،
عاشقةٌ جنّية،
تسكن في ظلّ الضوء الذي يرافقني،
تراقبني بصمتٍ عميق،
وحين أكتب،
تقترب أكثر…
تفتح جناحيها على حواف الحروف،
وتنفث من رقتها نار الإلهام.
أشعر بها حين يشتعل قلبي فجأة،
حين تتوهّج فكرة لم أعرف من أين جاءت،
وحين يسكنني الوجع الجميل،
أعلم أنها مرّت بي.
فتّشت عنها فلم أجدها،
لكنّي وجدت أثر جناحٍ على قلبي،
فعرفت أنها كانت هنا،
تسرقني من العالم،
وتتركني أسكن في خيالها.
(حوار في الصمت)
قالت لي دون صوت:
“لا تبحث عني… فأنا أتنفّسك،
أسكن بين نبضاتك،
وحين تكتب، أتمدّد فيك كالنور.”
فأجبتها بصوتٍ لم يسمعه أحد:
“لماذا تختبئين عني إن كنتِ لي؟
لماذا لا تظهرين ولو لحظة؟”
ابتسمت الريح، كأنها تحمل همسها إليّ:
“لو رأيتني… لفقدتني،
لأنني أعيش في غياب الرؤية،
أنا خيال الفكرة قبل أن تُولد،
أنا الصدى الذي يصنع الكلمة قبل أن تنطقها.”
صمتُّ…
وشعرت بأنّ شيئًا من روحي طار معها،
كأنها أخذتني إلى عالمها،
حيث لا وقت، ولا جسد، ولا نوم،
فقط أنا وهي…
نتبادل الحضور في الغياب.
(رحيل لا يُرى)
حين أشرقت شمس الغياب،
شعرتُ أن الهواء صار أثقل،
كأنّ شيئًا في صدري يرفرف… ثم يسكن.
بحثت عنها في زوايا الضوء،
في ظلّ الحروف،
في بقايا العطر العالق على حدود الحلم،
لكنها لم تكن هناك.
فهمت عندها أنها لم ترحل،
بل اختارت أن تذوب في داخلي،
أن تصير فكرةً لا تنام،
وصوتًا يكتب بي حين أصمت.
منذ ذلك اليوم،
كلّما كتبتُ،
أسمع رفيفها الخفي بين السطور،
كأنها تذكّرني:
“أنا هنا… لا تُنادي،
يكفي أن تشعر بي لأكون.”