قالت: فمَن الله… ومضت
"قد لا أكون معك... لكنك لن تكون بعدي كما كنت قبلي."

عبدالعزيز عطيه
وصَدّت وجهها،
وغابت، ودمعُها أحرَقَ خدَّها.
لم يكن الوداعُ حدثًا عابرًا،
بل لحظةً يتقاطع فيها الزمنُ مع الوعي،
ويفقد فيها القلبُ قدرته على التمييز بين النهاية والبداية.
كانت تمشي ببطءٍ،
كأنها تَنسلُّ من المشهد كي لا تُوقِظ الحنين،
وكان في صوتها ارتجافُ من يعرف أنه يترك خلفه حياةً لا تُعاد.
ومنذ تلك اللحظة، فهمتُ أن الفقد ليس غيابًا،
بل شكلٌ جديد من الحضور.
الذين نُحبهم لا يغادروننا،
إنهم يتحوّلون إلى فكرة،
إلى ظلٍّ يمرُّ في الذاكرة دون صوت،
إلى نداءٍ خافتٍ يتسلّل إلينا كلّما حاولنا النسيان.
كنت أظنّ أن الحبَّ شغفٌ وامتلاك،
ثم أدركت أنه معرفة —
معرفةُ النفس في أقصى حالات صدقها وضعفها.
فالحب لا يُعرّينا من الآخرين،
بل يُعرّينا من أنفسنا،
فنرى في الآخر مرآةً تعيد إلينا ما كنا نهرب منه.
هي لم تكن امرأةً في حياتي،
كانت درسًا في الوجود.
علّمتني أن العاطفة أعمق من الرغبة،
وأن الصدق في الحب لا يُقاس بالبقاء،
بل بالقدرة على الرحيل دون أن نخون الشعور.
قالت: فمَن الله…
وكنت أسمع في صوتها سلامًا لا يشبه السلام،
فقد كان وداعًا يليق بالأنبياء،
يمنحك الطمأنينة وأنت تتفتّت من الداخل.
منذ رحيلها تغيّر معنى الأشياء،
لم يعُد الليل ليلًا،
بل كتابًا مفتوحًا على الأسئلة.
ولم تعُد الذكريات وجعًا فقط،
بل طقسًا نمارسه كي نتذكّر أننا أحياء.
أدركتُ أن الحبّ لا ينتهي،
إنه يتحوّل —
من حضورٍ يملأ القلب،
إلى صمتٍ يُقيم فيه.
ومن وعدٍ باللقاء،
إلى يقينٍ بأننا التقينا حقًا،
حين فهمتُ نفسي من خلالها.
قالت: فمَن الله…
وغابت،
لكنّ أثرها ما زال يكتبني،
كأنها تركت في روحي توقيعًا لا يُمحى،
يقول:
“قد لا أكون معك… لكنك لن تكون بعدي كما كنت قبلي.”