من حبات التراب إلى نفحات الضوء مع زهرة تتفتح اسمها الزهراء

بقلم الزهراء عيد ابو عيفه
زهرةٌ نمت في تربةٍ من صبرٍ وإصرار، وتفتحت رغم الغيم، لم تكن كسائر الزهور، كانت مغمورة بنور داخلي لا يُرى، لكنه يُلهم.
أول ما انفتح لي باب القطار، شعرت وكأن الرسالة السماوية قد همست في أذني:
“قد جعل الله فيك ميزة خاصة بين الناس؛ إذ وهبك ميساءً جميلة، تلك النعمة التي ترسم على وجه الحياة إشراقة فريدة.”
في صباحٍ لا يُشبه الصباحات، وقفت الزهراء الصغيرة على رصيفٍ مزدحمٍ بالاحتمالات، تحمل في يدها حقيبة صغيرة، وفي قلبها رغبة كبيرة أن تصل…
ظهر صوت القطار الأول، يحمل لافتة: “الصف الأول المتوسط”
ركبت بلا تردد… لم تكن تعرف أن هذه الرحلة ستستمر لسنوات، لكنها كانت تعرف شيئًا واحدًا: أنها وُلدت لتُكمل الطريق، لا لتتوقف.
كانت نوافذ القطار ضبابية، والعالم خارجها ضوءٌ مشتّت…
لم يكن البصر حليفها، لكن البصيرة كانت تفتح لها ما أُغلق.
في تلك العربة، كانت المعلمات كأمهات، يهمسن في أذنها:
“نراكِ بعين القلب… وسنساعدك لتري العالم بطريقتك.”
محطة تلو الأخرى…
الصعوبات تجلس بجانبها أحيانًا، لكن في كل محطة، كانت تنزل خفيفة، ثم تعود أقوى.
وصل القطار إلى محطة الثانوية، مدرسة المقررات…
هناك، وجدت أول رفيق حقيقي في الرحلة: مكبّر إلكتروني،
جهاز صغير، لكنه كأنه مصباح سحري أعاد الحروف إلى الحياة.
قالت يومها: “الحروف لم تعد تهرب… صارت تقرأني، كما أقرؤها.”
مرت المحطة التالية بسرعة: محطة التخرج من الثانوية.
ركضت الزهراء فرحًا على الرصيف، تحمل تقديرًا ممتازًا،
لكن حين وصلت إلى محطة “الجامعة”… كان الباب مغلقًا.
قال لها الموظف: “القطار مكتمل، لا مكان لكِ اليوم.”
ابتسمت وقالت: “ربما أستحق قطارًا آخر… أبطأ، لكنه أوفى.”
وفي العام التالي…
توقّف القطار من جديد، وفتح أبوابه، هذه المرة بلطفٍ:
“مرحبًا بكِ في جامعة طيبة.”
كانت العربة صعبة، المقاعد ضيقة، والتعب يجلس خلفها، لكن الزهراء جعلت من كل مادة قصة، ومن كل اختبار انتصار،
حتى وصلت إلى قمة الجبل الجامعي… ونالت مرتبة الشرف.
المشهد في محطة التخرج كان أشبه بعرض سينمائي:
أب يدمع، أم تبتسم، أصدقاء يصفقون، وزهراء… تقف بينهم كبطلةٍ حقيقية، تعرف كم تعبت، وتعرف أنها تستحق.
لكن الرحلة لم تنتهِ…
في منتصف الطريق، انطلقت عربة أخرى، ليست أكاديمية، بل رياضية.
دخلت سباقات المكفوفين، لم تكن تراهم، لكن كانت ترى نفسها بوضوح.
ركضت، تدربت، سقطت، نهضت… وفازت.
بطولات رياضية حصدتها كما تحصد الكلمات في دفتر القصائد.
والآن…
الزهراء تركب قطارًا جديدًا، لا يحمل اسم “ثانوية” أو “جامعة”، بل اسمه:
“الماجستير”
تجلس فيه بثقة، تقرأ، تكتب، تحلّق…
وترى في كل محطة، طفلتها القديمة تلوّح لها من بعيد قائلة:
“أحسنتِ… لم تتركيني وحدي في أول الطريق.”
رسالة إلى كل مسافر
هذه الرحلة لم تكن سهلة…
لكنها لم تكن مستحيلة.
إذا ركبت قطارك، فلا تنزل في منتصف الطريق،
ولا تنتظر أن تكون كل المحطات مهيّأة لك.
أحيانًا، عليك أن تفتح باب العربة بنفسك…
وأن تصنع لنفسك مقعدًا من الصبر، ونافذة من الأمل.
أنا الزهراء…
وسأبقى أركب قطارات الحلم،
حتى أصل إلى حيث لم يصل أحد من قبل.