خطيب المسجد الحرام: الشريعة حذرت من الفسادِ بكلِّ صورِهِ وأشكالِهِ

فاطمة محمد مبارك -أبها
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ياسر الدوسري المسلمين بتقوى الله عز وجل فإنَّها خيرُ ما تتزوَّدُونَ، وأرْجَى مَا تَدَّخِرُونَ، وهي النَّجاةُ ممَّا تَحذَرُونَ، وبهَا تُرزقُون مِنْ حيثُ لا تحتسبونَ.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: إنَّ مكارمَ الأخلاقِ لباسٌ تزيَّنَ بهِ الأنبياءُ الأصفياءُ، ورداء تجمَّلَ بهِ الأتقياء الحُنفاء، هي أساسٌ مِنْ أُسسِ الإسلامِ، وركيزةٌ مِنْ ركائزِ الإيمانِ، ومظهرٌ مِنْ مظاهرِ الإحسانِ، بها تُنَالُ الدرجاتُ العَليَّةُ، والمَقَامَاتُ السَّنِيةُ، وجوارُ خيرِ البريَّةِ.
وأوضح أن نصوص الوحيين حثت ورغَّبتْ في الفضائلِ، وحذَّرت ورهَّبت منَ الرذائلِ، فالشريعةُ اشتملتْ على أنْفَسِ الأعلاقِ، في الآدابِ والأخلاقِ، ما بينَ تأديبٍ وتربيةٍ، وتهذيبٍ وترقيةٍ، وجِماعُ ذلكَ كلّه قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ». رواه البيهقي.
وأكد أن الله تعالى منَّ على نبيهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بكمالِ العقلِ، والرأيَّ الجَزْلِ، والكلامِ الفَصْلِ، وزيَّنَهُ بالأعمالِ الصالحةِ، والأخلاق الكاملة، فأثنَى عليهِ بقولِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، تَقُولُ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَمَا سُئِلَت: كَيْفَ كَانَ خُلُق النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَت: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. رواهُ أحمد فكانَ لهُ منَ الأخلاقِ أكملُها وأجلُّها، وحازَ في كلِّ خَصلةٍ منها المقامَ الأعلى، والمنزلةَ الأسمى، فبلغَ قِمةَ الكمالِ الإنساني، وغايةَ النُّبْلِ البشري.
وبيَّن الدكتور الدوسري أن حُسن الخُلقِ يُمْن، وسُوءه شُؤْمٌ، وأحسنُ الأخلاقِ ما جمَّلَ صاحبَها وَزَانَ، وأرذلُهَا ما دنَّسَهُ وَشَأنَ، ولا يقتصِرُ حُسنُ الخُلقِ على طلاقةِ الوجه وطِيب الكلامِ، بل هو أوسعُ في شريعةِ الإسلامِ، فيشملُ بذلَ النَّدَى، وكَفَّ الأذَى، وفِعلَ الأوامرِ والفضائلِ، واجتنابَ النَّواهي والرذائلِ.
ونبه فضيلته أنَّ مِنَ الأخلاقِ مَا يكونُ في الإنسانِ جِبلِّيًا، ومنهَا مَا يكونُ مُكتسبًا، والناس في ذلكَ متفاوتونَ، فالأخلاقُ غرائزُ كامنة، تظهر بالاختيارِ، وتُقهرُ بالاضطرارِ فالعلمُ بالتَّعلُّمِ، والحِلْمُ بالتَّحلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخيرَ يُعطَهُ، ومَنْ يتوقَّ الشرَّ يُوقَهُ، ومَا أُعطِي أحدٌ عطاءً خيرًا مِنْ خُلقٍ حَسنٍ يَدُلُّهُ على الصلاحِ والتُّقى، ويردَعُهُ عنِ الفسادِ والرَّدى، ومَن طلبَ الأخلاقَ مُخلصًا لربِهِ الأعلَى، مُتبعًا لسنةِ النبيِّ المُصطفى، سعِدَ في الدارين ونالَ الجزاءَ الأَوفى.
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن نظريةَ الأخلاقِ في الإسلامِ تقومُ على أساسٍ عَقائدي، وهي منهجٌ متكاملٌ، يطَّردُ باستقامةٍ واتزانٍ، وجمال وثبات لا يتغيَّرُ بتغيُّرِ الزمانِ والمكانِ، ويشملُ أحوالَ المسلمِ كلَّها، صغيرَهَا وكبيرَهَا، دقيقَهَا وجليلَهَا، وكلُّ أمرٍ بالتقوى فالأخلاقُ بريدُهَا، فهمَا مُتلازمان لا ينفكَّان، والوصية بهما صِنْوان، ولذا كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كثيرًا مَا يجمعُ بينهُمَا في وصايَاه، وذلكَ مِنْ سُنته وهُدَاه، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». رواه أحمد.
وقال فضيلته إن مِنْ تقوى اللهِ تعالَى أنَّ النَّفسَ الشَّريفةَ تطلُبُ الصِّيانةَ، وتراعي النَّزاهةَ، فالنَّزاهَةُ خُلُقٌ ثَمِينٌ، وَمَعْدِنٌ أصيلٌ، تُثْمِرُ الوَرَعَ، وَتَدفعُ الطمعَ، وتُنمِّي التَّقْوَى والنَّزاهةُ تُقاسُ بالدِّيانةِ والصدقِ والعدلِ، وحفظِ الوقتِ والجدِّ في العملِ، مع الأخذِ بالأمانةِ، والاهتِمامِ بالمصلحةِ العامَّةِ، وحينَ تَضعف الديانة تضمحل الأمانةُ وتشيعُ الخيانةُ، ويدبُّ الفسادُ، فتصدأُ الضمائرُ ويَكثُرُ العقوقُ، وتُباع الذمم وتستباح الحقوق.